السهل المفيد في تفسير القرآن المجيد.
الجزء الثاني سورة البقرة من : قوله تعالي (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ...)
[الربع الأول – من : الحزب الخامس]
يقول تعالى:
{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }
[الآية 253]
أي : بتخصيص كل واحد منهم بفضيلة ليست بغيره ، فهم يستوون فى الرسالة ، ويتفاوتون فى الفضائل .
فمثلاً :
منهم : من فضله الله بتكليمه من غير واسطة ، كموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام .
ومنهم : من رفعه على سائر الأنبياء ، كمحمد صلى الله عليه وسلم .. بعموم دعوته ، وختم النبوة به ، وتفضيل أمته على سائر الأمم ..
إلى غير ذلك.
وكذلك :
أيدنا عيسى بن مريم بالآيات الواضحات .. كإحياء الموتى ، وشفاء المرضى بإذن الله .
وقويناه بجبريل ، يسير معه حيث سار .
هؤلاء الرسل جميعاً .. جاؤا برسالة واحدة ، ولهدف واحد ، وكانت دعوتهم للإيمان واضحة .
ولم يكن هناك ما يدعوا أممهم إلى أن يختلفوا حول هذه الرسالة وهذا الهدف وتلك الدعوة .
حقاً .. حقاً ..
كل شئ فى الكون .. بمشيئة الله تعالى .
وما شاء الله كان .. وما لم يشأ لم يكن .
نعم .
لو شاء الله هداية الناس جميعاً إلى الإيمان ، وانفاقهم على كلمة الحق: لهداهم ، واتفقوا ، وما اختلفوا اختلافاً يؤدى بهم إلى الاقتتال بينهم .. خاصة بعد أن جاءتهم الآيات البينات مع رسلهم تدعوهم إلى الإيمان .
ولكن .. لأنه لم يشأ ذلك .. فقد اختلفوا .. فمنهم من آمن وثبت على إيمانه ، ومنهم من ضل وكفر بعد وضوح الحق أمامه .
ثم كان من نتيجة هذا التخالف : أن تقاتلوا .
ولو شاء الله ما اقتتلوا
نعم ..
الله يفعل ما يريد ، فلا يقع فى ملكه إلا ما وافق مشيئته عز وجل ، وله سبحانه الإرادة المطلقة .
* * *
هذا ..
ولأن قتال أهل الباطل ، ومنع بغيهم ، وصد طغيانهم .. يحتاج إلى مال وإنفاق ..
فقد قال عز من قائل :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
[الآية 254]
أمر للمؤمنين - فيه التشريف لهم بالخطاب الإلهى - أن ينفقوا مما رزقهم الله فى سبيل الخير .. كالجهاد ، والصدقات ، والنفقات الواجبة ، وغير الواجبة ..
ليدخروا ثواب ذلك عند ربهم .. ليوم القيامة ، حيث لا فداء للنفس ، ولا صداقات تنفع ، ولا شفاعات للكافرين تشفع .
والكافرون بالله تعالى ورسله واليوم الآخر : هم الظالمون لأنفسهم أولاً ولغيرهم ثانياً .
وكذلك : المانعون دفع زكاة أموالهم ، والمنكرون شرع الله ، أو شيئاً منه ، بعد إيمانهم .. هم الظالمون .
*****
أيها الكرام ..
هيئوا أنفسكم ، وجهزوا قلوبكم وعقولكم .. لسماع أروع كلام عرفته البشرية ، عن الله عز وجل .
هيئوا أنفسكم ، وجهزوا قلوبكم وعقولكم .. لسماع أفضل آية فى القرآن ثواباً فى قراءتها وفهمها .
هيئوا أنفسكم ، وجهزوا قلوبكم وعقولكم .. لسماع سيدة أي القرآن .
آية الكرسى :
يقول تبارك وتعالى :
{ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ }
[الآية 255]
أيها الأحباب فى الله ..
قبل التفسير الموجز لهذه الآية الكريمة .. أقول لحضراتكم : سنتبع فيها طريقة السلف الصالح ، وهى المرور على ما فيها من مسميات من غير تكييف ولا تشبيه . وهذا هو الأجود والأسلم .
ويتضح كلامنا هذا فيما يلى :
الله لا إله يعبد بحق فى الوجود كله إلا هو عز وجل .
الحي الدائم البقاء ، فلا انتهاء له سبحانه .
القيوم القائم بتدبير شئون خلقه على وجه الكمال .
لا تأخذه سنة ولا نوم أي : لا تغلبه مقدمات النوم ولا ينام .
له ما فى السماوات وما فى الأرض ملكاً وخلقاً وعبيداً وتدبيراً .
من ذا الذى يشفع عنده لا أحد مطلقاً إلا بإذنه له سبحانه فى أن يشفع .
يعلم ما بين أيديهم أي الخلق وما خلفهم حاضرهم ومستقبلهم ، فى أمر الدنيا وأمر الآخرة .
ولا يحيطون بشئ من علمه حيث : علمه سبحانه محيط بكل شئ ، والخلق لا تعلم شيئاً من علمه إلا بما شاء تبارك وتعالى ، أن يعلمهم به عن طريق الرسل عليهم السلام .
وسع كرسيه السموات والأرض أحاط علمه سبحانه وتعالى بهما ، وبما فيهما ، وبمن فيها .
ولا يؤوده حفظهما ولا يثقل ويشق عليه سبحانه حفظ السموات والأرض ، وما فيها ومن فيها .
وهو العلى فى ملكه وسلطانه العظيم فىعزه وجلاله .
أيها الأحباب ..
هذه الآية الكريمة - يقول العلماء - إنها اشتملت أمهات المسائل والقضايا الإلهية .
ولأن المقام لا يتسع لبيان وشرح هذا الكلام النفيس :
فإننا نواصل الحديث مع باقى الآيات الكريمة .
*****
حيث إنه عز وجل .. بعد بيان صفاته عز وجل فى هذه الآية الكريمة ..
بين : أن العاقل لا يحتاج إلى إكراه أو إجبار على الإيمان بالله ، واعتناق هذا الدين .. بل يختار ذلك من غير تردد .
حيث يقول تبارك وتعالى :
{ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
[الآية 256]
أي : لا إجبار لأحد على اعتناق الدين الحق ، وهو الإسلام .
إذْ ليس الإكراه على دين الله .. من دين الله .
حيث .. تَبيَّن الهدى من الضلال لكل أحد ، وتميز الإيمان من الكفر بالأدلة الواضحة .
فمن : تمسك بالحق ، وعقد لنفسه من الدين عقداً وثيقاً محكماً ، لا شبهة فيه، ولا انقطاع له ، ولم يطع : أيَّ طاغوت .. من : شرك بالله تعالى ، أو احتكام لغير الله ، أو طلب النصرة من سواه عز وجل .(فقد استمسك بالعروة الوثقى) من الدين .
والله سميع عليم فأسمعوه من أنفسكم خيراً ، وأعلموه من أنفسكم طاعة ، وأحكموا أمر الإيمان بالله ، والكفر بالطواغيت .
* * *
وبعد هذا ..
يحث ربنا تبارك وتعالى على الإيمان .. وذلك : ببيان فضله على أهله .
حيث يقول:
{ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
[الآية 257]
نعم ..
الله عز وجل يتولى الذين آمنوا .. فيعزهم ، ويرفع قدرهم ، وينصرهم على أعدائهم .
وأفضل نصر لهم من الله .. أنه يخرجهم وينجيهم من الظلمات ، وهى كثيرة: كظلمة الكفر ، وظلمة النفاق ، وظلمة إتباع الشيطان والشهوات .
يخرجهم من كل ذلك : إلى نور الإيمان واليقين وحلاوة الطاعة .
أما الذين كفروا ..
فلا يتولاهم رب العزة برحمته ..!!
إنما يتولاهم بالإغواء والإضلال : أهل الطاغوت ، وما أكثرهم .. من شياطين الإنس والجن .
وأسوأ إضلال وإغواء لهم : أنهم يخرجونهم ويحرمونهم من نور الفطرة السليمة ، والعقل ، والإيمان .. ويدخلونهم فى الظلمات ، من الشك ، والشبهات ، والشهوات .
هؤلاء الذين كفروا .. هم أصحاب النار وأهلها ، وهم داخلوها ومخلدون فيها ، خلوداً أبدياً .
*****
ثم يبين ربنا عز وجل بالمثال العملى ، والقصة الواقعية .. كيف يتصدى الطاغوت لإضلال الكفار عن الهدى ، وإخراجهم من النور إلى الظلمات ؛ لأنهم أولياؤه .
حيث يقول تبارك وتعالى .
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ }
[الآية 258]
أي : ألم تعلم يا محمد ما يدعو إلى العجب من أمر هذه الطاغية الذى آتاه الله الملك إنعاماً عليه من ربه ، ليشكر ، ولكنه كفر ، وجادل إبراهيم عليه السلام فى وجود الله تعالى وقدرته ؟
لما قال الطاغية لإبراهيم عليه السلام : من ربك هذا الذى تدعونا للإيمان به ..؟
قال إبراهيم مستدلاً على وجود الله بقدرته ربى الذى يحيى ويميت أي : يخلق الحياة والموت .
ولم يفهم ذلك الطاغية ، حيث قال :
أنا أحيى وأميت أي آمر بالقتل وأعفو عنه .
ودعا برجلين ، فقتل أحدهما، وترك الآخر .
فلما وجد نبى الله عليه أنه غبى ، ولم يفهم بعد ، انتقل إلى دليل آخر .
وهنا :
دهش وتحير .. حيث إن الحجة قوية ، والدليل واضح ، ولم يهتد إلى رد على هذا الدليل .
ولهذا لا يوفق الله الظالمين ، ولا يلهمهم حجة فى مناقشة أهل الحق ..
ولذلك : يلجؤن فى الغالب إلى القوة والبطش .
*****
ثم يبين ربنا عز وجل - كذلك - بالمثال العملى ، والقصة الواقعية ، ولاية الله للمؤمنين ، وهدايته لهم .
فى قوله تعالى :
{ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
[الآية 259]
أي : ألم تعلم يا محمد ما يدعو إلى العجب من أمر هذا الرجل ، الذى مر على قرية خالية خربة ، ليس فيها أحد من السكان ، فقال : كيف يحيى الله هذه القرية ، بعد أن خربت ، ولم يبق سكن ولا ساكن ؟
فأماته الله بقدرته سبحانه ، وأحياه بعد هذه المدة الطويلة
ثم ..
سئل عن المدة التى مكث فيها ..؟
فقال باجتهاده يوماً أو بعض يوم
إذْ يبدو أنه مات فى الضحى ، وبُعث قبل غروب الشمس ، فظنها شمس نفس اليوم .
وكانت المفاجأة له أن عرف أنه : فى تلك الحال مائة عام ، وليس يوماً أو بعض يوم ، كما ظن
وأراه رب العزة أمرين عجيبين يدلان على ذلك :
طعامه الذى كان معه .. لم يتغير ..!!
وحماره الذى كان يركبه .. نخرت عظامه ، وتفرقت .
حيث قال له .
( فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ ) لم يتغير بقدرتنا .
أيضاً .
وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس .
أي : كيف أصبحت عظامه ناخرة ، وكيف تفرقت وتبعثرت .. ؟
كل ذلك :
لنجعل إحياءك ..!!
وإبقاء طعامك لم يتغير ..!!
وإعادة حمارك إلى الحياة ..!!
آية للناس ودليلاً على البعث الذى ينكرونه ، ولا يستعدون بالإيمان والعمل الصالح له .
وتعال معنا .
وانظر بنفسك إلى العظام الناخرة لحمارك كيف نحركها ، ونركبها مع بعضها البعض ، ثم نكسوها هذه العظام لحماً ، ثم نعيدها إلى الحياة ؟
وهكذا ..
لما تبينت له قدرة الله ، ورأى آثارها .. نطق بالكلام الطيب ، النابع من القلب الطيب ، قائلاً اعلم أن الله على كل شئ قدير .
*****
أيها الكرام ..
يسوق ربنا عز وجل أدلة أخرى على البعث ، وضرورة الإيمان بالله ، وقدرته .
حينما يقول كذلك .
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
[الآية 260]
أي : واذكروا وقت أن سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يريه كيف يحى الموتى - ليس عن شك أو تعنت .
قال له ربه - وهو يعلم أنه أثبت الناس إيماناً - أوَ لم تؤمن .
أجاب إبراهيم عليه السلام بالإيجاب .
ولكنه يحب أن يرى ، ليزداد بالمشاهدة يقيناً على يقين ، وإيماناً على إيمان ، وطمأنينية فوق طمأنينة .
وحقق له ربه ما أراد .
وقد فعل عليه السلام ..
وازداد يقينه بهذه المشاهدة .
وازداد علمه بأن الله عزيز ، لا يغلبه شئ ، ولا يمتنع منه شئ حكيم فى أقواله ، وأفعاله ، فى شرعه ، وفى قدره ، سبحانه وتعالى .
* * *
أيها الأحباب فى الله ..!!
بعد الحديث عن قدرة الله تعالى على الإحياء ، المذكر بإحياء الله الناس يوم القيامة للجزاء ، على الخير خيراً ، وعلى الشر بمثله .
يكون الحديث : حول بيان جزاء الإنفاق فى سبيل الله يوم القيامة .. الذى أمر به المولى عباده ، فى قوله لهم من قبل يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة .
حيث يقول ربنا تبارك وتعالى :
{ مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
[الآية 261]
وهذا مثل يضربه الله تعالى لبيان مضاعفة الثواب لمن أنفق فى سبيل الله ، وأن الحسنة يتضاعف ثوابها إلى سبعمائة ضعف ، ويزيد الله على ذلك لمن يشاء ؛ بحسب إخلاص كل واحد فى عمله وإنفاقه .
وفضل الله واسع وكثير ، والله عليم بمن يستحق هذا الفضل ممن لا يستحق.
* * *
ثم يمدح تبارك وتعالى ، الذين ينفقون فى سبيل الله ، ثم لا يتبعون إنفاقهم هذا بالمن على من أحسنوا إليه ولا بالأذى لمن أعطوه .
قائلاً عنهم :
{ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَناًّ وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
[الآية 262]
ن عم ..
هؤلاء قوم أفاضل مخلصون .. لا يضيع ثوابهم .
إذْ .. لهم أجرهم الجزيل عند ربهم القائل إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً .
ولا خوف عليهم فيما هو آت من ضياع الأجر ، أو نقصانه فى الآخرة ، أو خوف من العذاب .
ولا هم يحزنون على ما فات فيما مضى من الدنيا ، أو السيئات التى أبدلهم الله إياها بحسنات
***