المقدمة
مختصر تاريخ مصر
"حول الحضارة المصرية القديمة و مبهراتها، نشأة الحضارة المصرية القديمة ، و مبهراتها ، وخفوتها، التحولات الكبرى(تحولات فى صميم الهوية) فى التاريخ المصرى .. تغيير اللغة والدين"
الحضارة المصرية القديمة واحدة من أعظم حضارات الإنسانية قاطبة، وهى إن لم تكن أقدمها على الإطلاق فهى واحدة من أقدم الحضارات الإنسانية، بل إنها واحدة من ثلاث حضارات "مبدعة" فى تاريخ الإنسان، بمعنى أنها واحدة من ثلاث حضارات بدأت من البدايات الأولى غير مستندة إلى منجزات حضارات سابقة، حيث لم تكن هناك حضارات سابقة يمكن النقل عنها، و قد أضافت العزلة الجغرافية التى تمتعت بها مصر إلى هذه الأصالة وهذا التفرد قلة التأثر بالحضارات المحيطة بها لفترات طويلة فى تاريخها الألفى الحافل.
إضافة إلى أصالة الحضارة المصرية وتفردها فإنها قد بهرت العالم قديما وحديثا بالعديد من المبهرات التى أذهلت العالم، من ضخامة المنشآت ودقتها متمثلة فى الأهرام الشاهقة والمعابد الضخمة ذات الأعمدة والصروح المهيبة، إلى المقابر ذات الألوان الزاهية، إلى المومياوات الباقية إلى عصرنا هذا وقد عاش أصحابها منذ آلاف السنين، إلى العديد من التفاصيل الدقيقة فى مختلف الصناعات والتى تبهر الناظرين فى المشغولات الدقيقة من مختلف المواد كالأحجار والأخشاب والجلود والمعادن والزجاج إلخ .
وبتجاوز الماديات، ينبهر العالم بما تتضمنه فنونهم من غرائب وقيم ناتجة عن عقائد منفصلة عن عقائد الإنسان فى عصرنا، وإن كانت بعض عقائدهم يمكن ربطها ببعض عقائد الأديان السماوية، ولكن زحام الآلهة، وكثرة التصورات عن العالم الآخر قد أكسبت عقائدهم الكثير من الغموض والغرابة.
ومع كل ذلك، فقد كان المصريون القدماء شعبا ككل شعوب الأرض، أكسبته ظروفه الخاصة خصائص فريدة، وذلك ككل شعب من الشعوب، تشترك مجموعة من العوامل فى تشكيل خصائص شخصيته العامة، ولعل أهم هذه العوامل هى البيئة التى يعيش فيها وتتأثر بها شخصيته أفرادا وجماعات، وتأخذنا البيئة إلى الجغرافيا التى تحكم عزلته أو انخراطه فى مجموع الحضارات الإنسانية المحيطة، وإذا كانت الجغرافيا تمثل المكان فإن التاريخ يمثل الزمان حيث تؤثر حوادثه فى الشخصية الجماعية لشعب من الشعوب، خلال هذه العوامل المختلفة يأتى دور الإنسان، وخاصة أولئك المتميزون الذين يرسمون خطوات الشعب، والذين يبتكرون الإبتكارات المختلفة فى كافة مجالات الحضارة والذين يصوغون ويوجهون العقائد، جميعهم مؤثرين ومتأثرين فى نفس الوقت بخصائص الشعب الذى ينتمون إليه ومتأثرين بالعوامل السابقة المؤثرة فيه.
هذا الشعب أنتج حضارة مبدعة، أصيلة، تبهر منجزاتها العالم قديما وحديثا، وقد تعلَمَتْ منها وأخذت عنها الحضارات التالية لها، ولا يستطيع أحد أن يشكك فى أصالة هذه الحضارة أو فى نسبتها إلى المصريين القدماء إلا عندما يتخلى عن المنهج العلمى وعن المنطق السليم فى الاستدلال والقياس.
الحضارة المصرية القديمة: من النشأة إلى الخفوت.
بدأت الحضارة المصرية بداية متواضعة ككل شئ يولد صغيرا ضعيفا ثم ينمو ويقوى ويزدهر، ثم يأخذ فى الضعف تدريجيا حتى يموت، وقد أراد الله لمصر بصفة خاصة أن تتعدد حيواتها وأن يكون الموت بالنسبة لها إغفاءةً تعاود بعدها اليقظة والنهوض وبداية حياة جديدة، وليس الكلام السابق إطراءً على الذات وتمجيد لها أو شوفينية مَقيتة ولكنه مجرد تلخيص لتاريخ مصر منذ بداياته المبكرة وحتى الآن.
بدأت مصر تكوُّنها منذ بضعة آلاف من السنين، فى صورة جماعات متفرقة تناثرت على أرضها، كان لكل جماعة خصائص مميزة، فقد كانت لكل جماعة عاداتهم وتقاليدهم وعقائدهم، كما أبدعت كل جماعة صناعاتها وفنونها، ومن المؤكد وجود تأثيرات متبادلة بين هذه الجماعات من خلال المعاملات المتنوعة سلمية كانت أو حربية. ومن هذه الجماعات فى العصر الحجرى الحديث نجد مرمدة بنى سلامة فى الدلتا، كذلك حضارة دير تاسا فى الصعيد، ثم فى العصر النحاسى نجد حضارة البدارى فى الصعيد وفيها يبدأ استخدام النحاس فى مصر، يلى ذلك عصر حضارة نقادة وأمثلتها منتشرة فى مساحات كبيرة من أرض مصر.
هذه الحضارات التى مثلت تجمعات بشرية محدودة، بعضها أشبه بالقرى البدائية الصغيرة وبعضها أكبر بدرجات متفاوتة، هذه جميعها مثلت فى مصر عصر ما قبل الأسرات، فقد كانت سابقة على مصر التى نعرفها كدولة واحدة. وكطبيعة الأشياء وبوسائل متنوعة سلمية وحربية أخذت هذه التجمعات يتحد بعضها ببعض مكونةً جماعات وممالك أكبر حجما وأقل عددا، حتى وصل الأمر إلى مملكتين كبيرتين، إحداهما شمالية فى الوجه البحرى والثانية جنوبية فى الوجه القبلى، وكان لكل مملكة خصائصها المميزة ورموزها. وقد تعاقبت محاولات تحقيق الوحدة بين هاتين المملكتين حتى كانت المحاولة الأخيرة التى تمتْ على يدّى الملك نعرمر (مينا) حوالى 0032 ق.م. عند هذه المرحلة يبدأ الحديث عن مصر كدولة واحدة موحَّدة تحت حاكم واحد، لكن جذور عقائد مصر وفنونها وعاداتها تضرب بجذورها إلى ما قبل الوحدة إلى إنجازات هذه الحضارات أو التجمعات البشرية، فمنذ هذه العصور كانت هناك محاولات لتفسير نشأة الوجود وظهرت نظريات متعددة فى عين شمس ومنف والأشمونين إلخ. ومنذ هذه العصور كانت عقائد البعث موجودة وفى ومخيلة وقلب المصرى القديم ومن المؤكد أنها كانت مصحوبة بتصورات وعقائد عن الحساب والجزاء والخلود.
كذلك شهدت هذه العصور السابقة للوحدة النهائية 3200 ق.م. نشأة الفنون المصرية القديمة التى تطورت إلى صورتها التى ينبهر بها العالم الآن، فقد ظهرت جذورها منذ هذه العصور، كذلك محاولات ابتكار وسيلة لتسجيل لغتهم المنطوقة وهى الكتابة، كذلك محاولات تطوير صناعات متعددة منها الفخار، السلال، النسيج، تشغيل الأخشاب، المعادن، إلخ. بالاختصار مثلت هذه العصور السابقة على الوحدة الجذور للحضارة المصرية كما نعرفها.
عصر الأسرات المبكر:
مثلت الوحدة، التى تحققت بعد كفاح طويل، تحولاً هاما فى ناريخ الحضارة المصرية القديمة، فقد أصبحت "مصر" بمواردها وأهمها النيل تحت إدارة مركزية واحدة، فى ظلها أخذت الإنجازات الحضارية الأولية تتطور سريعا، نحو تبلور شخصية الحضارة المصرية القديمة المتميزة.
مثَّل حُكم نعرمر (مينا) لمصر الموحَّدة، بداية الأسرة الأولى فى تاريخ مصر القديمة، وتمثل الأسرات الأولى والثانية فترة هامة فى تاريخ مصر، تُعرف بعصر الأسرات المبكر، هذه الفترة التى تقدر بحوالى (420 سنة) مثلت التبلور النهائى للشخصية المصرية فى الفنون والعمارة والعقائد العامة (حيث ظلت لكل إقليم عقائد وآلهة خاصة تحت إطار العقائد العامة).
فى هذا العصر بدأت المحاولات الأولى للوصول إلى طرق حفظ أجساد الموتى التى انتهت بمعرفة أساليب التحنيط، وممارسات التشييد والبناء التى أفضت فيما بعد إلى المنشآت الضخمة، وتحت رعاية الملكية خطت الفنون خطواتها نحو الصورة النهائية لخصائص الفن المصرى القديم.
عصر الدولة القديمة:
بنهاية عصر الأسرات المبكر، بأسرتيه الأولى والثانية، دخلت مصر عصرا جديدا، هو عصر الدولة القديمة، والذى يبدأ بعصر الأسرة الثالثة حتى نهاية الأسرة السادسة، استكملت مصر فى بدايات هذا العصر مقومات عظمتها الحضارية، وبدأت فيه إنجازاتها الحضارية المبهرة فى الظهور، ففى عصر الأسرة الثالثة ظهر للوجود أضخم بناء فى عصره من الحجر، وهو الهرم المدرج لسقارة الذى يعد خطوة متقدمة نحو بناء هرم مكتمل، وهو عمل ضخم بكل المقاييس، وإن كان الهرم الأكبر بالجيزة سوف يأخذ الأنظار عن كل الأهرامات الأخرى، مثَّل هرم سقارة مرحلة متقدمة وأساسية للانتقال من المقبرة العادية المبنية على شكل مصطبة إلى المقبرة الهرمية، وقد استمرت رحلة التطور هذه عبر الأسرة الثالثة من خلال أهرام: سقارة، ميدوم وفى الأسرة الرابعة كانت الفرصة والجرأة متاحتان للاستفادة من الخبرات التى تراكمت فى هذا الميدان من خلال أهرامات سنفرو، ومن بعد ظهر للوجود هرم ابنه الملك خوفو، الذى يُعد بحق إنجازا عظيم الأهمية، ليس من حيث الضخامة فحسب ولكن أيضا من حيث الدقة، ومن حيث الخبرات والطاقات التى وُظفت فى تشييده على مدى حوالى عشرين عاما. وقد تواصلت رحلة بناء الأهرامات بعد خوفو، ولكن يبقى هرمه هو الذروة فى مسيرة بناء الأهرامات. وقد أُطلق بحق على هذا العصر عصر بناة الأهرامات.
لم تقتصر إنجازات عصر الدولة القديمة على بناء الأهرامات، ولكن فيه أيضا كانت رحلة البحث عن الخلود من خلال حفظ الأجساد الميتة قد بلغت محطة الوصول، ففى هذا العصر تم الوصول إلى الأسس العلمية للتحنيط التى كانت متعثرة عبر عشرات السنين السابقة. كل هذا إضافة لماكان قد تحقق عبر مئات السنين السابقة من التحكم فى نهرالنيل و تنظيم الرى والتوصل إلى مبادئ المساحة العملية، وتطور الصناعات والفنون، وقد بلغت الفنون فى هذا العصر صورتها الكلاسيكية التى تميز بها الفن المصرى القديم من بين فنون الحضارات الاخرى.
استقرت الدولة القديمة من بداية عصر الأسرة الثالثة وحتى نهاية الأسرة السادسة، ويُعد عصر الأسرة الرابعة هو عصر بناء الأهرامات الضخمة، وقد استمر بناء الأهرام بعد ذلك، وإن كانت أصغر حجما كما تميزت بشئ جديد لم يكن موجودا فى أهرام الأسرة الرابعة وهو متون الأهرام وهى نصوص دينية نُقشت على جدران حجرة الدفن.
وكطبيعة الأمور، وكسنة الله فى خلقه، أخذت الدولة فى الضعف تدريجيا، حتى ضاعت مركزية الحكم وسادت الفوضى، وانتهت دورة حضارية زاهرة فى تاريخ مصر، ووجدت مصر نفسها فى عصر يُعرف بعصر الاضمحلال الأول، ضاعت فيه مركزية الحكم، وقل الأمن.
الدولة الوسطى :
بعد الفوضى التى عمت البلاد فى عصر الاضمحلال أو الانتقال الأول، بدأت مصر تدخل دورة حضارية جديدة، من خلال استعادة مركزية الحكم مع بدايات عصر الأسرة الحادية عشرة. حيث استعادت مصر وحدتها، وأصبحت مواردها وطاقتها فى يد واحدة، وبالتالى نهضت مصر من كبوتها، واستعادت القدرة على الإنشاء، وتنظيم الرى والتحكم فى النيل، واستعادت الفنون روعتها وجلالها بعد فترة من الفنون ذات المستوى المنخفض.
استمر عصر الدولة الوسطى من بداية الأسرة الحادية عشرة وحتى الثانية عشرة، وهى مدة جاوزت الثلاثة قرون ونصف، دخلت بعدها مصر عصر اضمحلال جديد، فقد انتهت الدورة الحضارية الثانية ولكن هذا العصر كان بالغ القسوة على مصر وشعبها، ففيه، ولأول مرة تخضع مصر للاحتلال من شعب أجنبي غريب، حيث غزا الهكسوس مصر واحتلوا أجزاء من أرضها، مما جرح مصر وشعبها جرحا بالغ الأثر.
الهكسوس ومقدمات الدولة الحديثة وعصر الإمبراطورية:
مثَّل احتلال الهكسوس لأجزاء من أرض مصر تحديا، كان لابد له من استجابة، وعامةً فإن الشعب المصرى قد يتعثر أو يتخلف لكن التحديات الكبرى تستفز لديه استجابات مدهشة، وتستفز طاقاته التى لا تظهر فى ظل الظروف العادية، حيث قد يصل إلى درجات غريبة من الضعف والتخلف ولكن تحديات معينة تستفز طاقاته بشكل مدهش، حيث تتحقق إنجازات غير متوقعة، وبالتالى فهو شعب قد يتخلف ويضعف فتتعجب كيف وصل إلى هذا الحال، ثم يحقق من الإنجازات ما يثير العجب والإعجاب: كيف حقق هذا الإنجاز أو ذاك ؟ .
الدولة الحديثة وعصر الإمبراطورية:
كان التحدى الذى تعرضت له مصر باحتلال أرضها هو الدافع لرحلة كفاح طويلة انتهت بطرد الهكسوس وتحرير مصر، لكن الإندفاعة الحضارية الهادفة نحو تحقيق هذه الغاية لم تتوقف بتحقيقها لأهدافها، بل استمرت مصر فى اندفاعتها الحضارية خلال عصر الدولة الحديثة، الذى وصلت فيه مصر من خلال اندفاعتها الحضارية إلى حد الإمبراطورية، حيث بسطت نفوذها على كثير من الأقطار المجاورة، وجُبيت إليها خيرات هذه الأقطار وازدهرت أحوالها ازدهارا كبيرا، كما زاد احتكاكها بالعالم الخارجى بصورة غير معهودة فى تاريخها السابق فأثَّرَت وتأثرت واستعادت مقومات نهضتها مما انعكس بطبيعة الحال على الفنون والصناعات والعمارة، وكافة الجوانب الثقافية والحضارية.
شهد عصر الدولة الحديثة، عصر الفتح والإمبراطورية مجموعة من الملوك العظام، وهو العصر المرشح لاحتواء قصة نبى الله موسى وخروج اليهود من مصر، وعندما انتهى عصر الدولة الحديثة بعد أن استمر لقرابة القرون الأربعة انتهى تاريخ ازدهار الحضارة المصرية القديمة، انتهت الدورة الحضارية الثالثة لحضارة مصر القديمة، انتهى الإزدهار والقوة.
العصر المتأخر:
بنهاية عصر الدولة الحديثة انتهى الإزدهار والقوة إلا من نهضات مبتسرة اتسمت بتقليد منجزات عصور الإزدهار وافتقدت للأصالة، كما تعرضت أرض مصر للغزو والاحتلال أكثر من مرة، حتى انتهى الأمر بغزو الإسكندر لمصر فأصبحت مصر ولاية تابعة لفترة طويلة من الزمن، تطورت أو بالأحرى تغيرت اللغة والعقائد، لكن فى نفس سياقها العام، فقد تطورت اللغة لكن على أساس من اللغة المصرية القديمة، كما تغيرت الأفكار والعقائد الدينية لكن على أساس من وثنية العصور الأولى وهكذا صارت وسارت الأمور خلال العصر اليونانى الرومانى.
العصر اليونانى الرومانى:
خلال هذا العصر، شهدت مصر تحولا جذريا ضخما فى أحد مقومات حضارتها وثقافتها فقد غيرت مصر ديانتها الوثنية إلى المسيحية، حيث اتخذت أعداد من الشعب المصرى من المسيحية دينا، وشهد المجتمع المصرى حِراكا شديدا بين المسيحين المصريين وبين الوثنين المصريين، كذلك فقد شهد المجتمع حِراكا بين أتباع المذاهب المسيحية المختلفة.
مثَّل ظهور المسيحية وانتشارها بين أعداد كبيرة من الشعب المصرى تحولا كبيرا فى مسار الشعب المصرى، وقد مثَّل هذا التحول فى الدين (دون اللغة) فترة زمنية انتقالية تختم وتغلق على عصور كانت للوثنية فيها الكلمة العليا فى تاريخ العقائد المصرية، لكن الاتصال المباشر بعصور الوثنية والاتصال والامتداد اللغوى، سمحا بتسربات كبيرة من العصور القديمة إلى هذا العصر، حيث كانت للعقائد والعادات القديمة سطوتها التى يصعب انتزاعها من النفوس أو القضاء عليها تماما.
تحت سطوة التقاليد القديمة، استمر المسيحيون فى تحنيط موتاهم، وفى اتّباع الكثير من العادات القديمة، وقد ساعد على ذلك الاستمرار اللغوى الذى مثَّل وعاء وحافظا للأفكار والمعتقدات القديمة.
العصور الإسلامية:
وبظهور الإسلام بدأت ملامح الحضارة المصرية القديمة فى الإختفاء تدريجيا، ولكن بصورة حاسمة، وكان انتشار الإسلام فى مصر معتمدا فى الغالب فى نسبته الأكبر على أتباع مذاهب معينة من المسيحيين المصريين، وجَدَت توافقا بين عقائدها وبين الإسلام، وهى المذاهب التى كانت تُوصَّف وتوصم بالهرطقة رغم كثرتها العددية، وهى المذاهب التى تقلصت أعداد أتباعها حتى اختفت تماما مع انتشار الإسلام.
شهدت مصر فى هذا العصر تغيرا جوهريا، إضافة إلى تغيير الدين. هذا التغيير كان تغيير اللغة، فقد استمرت اللغة المصرية القديمة منذ بدايات الحضارة المصرية وحتى تعريب مصر، شهدت اللغة تطورات عديدة عبر هذه الرحلة الطويلة، لكنها تطورات طبيعية، تدريجية وبطيئة، ولم يمثل أى منها حاجزا بين ماض وحاضر فى هذا التاريخ الألفى الطويل الحافل.
أما تعريب مصر فقد وضع سدا عاليا بين عهدين مختلفين، فاللغة، أداة التفكير والفهم، اختلفت، وتنزهت ألفاظ اللغة العربية عما كانت تحمله ألفاظ اللغة المصرية القديمة من مدلولات وإيحاءات كانت جميعها مستمدة من حضارة مصر القديمة وقيمها التى كانت العقائد الدينية بمختلف مجالاتها محورا أساسيا من محاورها.
ظهور المسيحية، وتغيير مصر لديانتها، ثم انتشار الإسلام، وتعريب مصر، مثلت تحولات عظيمة الأثر فى تاريخ مصر، حيث بانتشار الإسلام واكتمال التعريب انقطعت صلة مصر بدرجة كبيرة بماضيها الفرعونى، إلَّا من بقايا خافتة فى لهجتها العامية، وعاداتها الشعبية، والتى تعرّض كثير منها لتعديلات تجعلها أكثر تمشيا مع الدين الجديد وما أضفاه من قيم حضارية وثقافية، هذه البقايا التى تسربت هى أشبه بحفريات قليلة من حقبة غابرة، حتى احتاج الأمر إلى سنوات من العمل المضنى والدؤوب لفهم اللغة المصرية القديمة ودلالات الفنون والعمارة المصرية القديمة.
وفى إدراجات قادمة إن شاء الله سيتم عرض الخطوط الرئيسية لكتاب الهوية المصرية بين الفرعونية والإسلام.