قالوا عن حمص (7)
المهندس جورج فارس رباحية
ذَكَرَ ابن جُبير (1) حمص حين أتى إلى الشرق بقصد الحج للتكفير عن شربه الخمر قسراً عندما أجبره ( أبو سعيد بن عبد المؤمن ) صاحب غرناطة الذي دعاه مرّة لشرب الخمر بحضرته فامتعض من ذلك ، فلما رآه يمتعض أقسم الحاكم أن يشرب ابن جُبير منه قسراً سبع مرّات بدل المَرّة ، فلما فعل مُلِئت له الكأس بعدها بالذهب سبع مرّات ، فاستعمل هذا المال لرحلته هذه التي زار خلالها حمص وكان ذلك في زمن الصليبيين ( الفرنجة ) فكتب ما يلي :
(( حمص فسيحة الساحة مستطيلة المساحة نزهة لعين مُبصرها من النظافة والمَلاحة موضوعة في بسيط من الأرض عريض مداه ، لا يخترقه النسيم بمسراه ، يكاد البصر يقف دون منتهاه ، أفيَح أغبَر ، لا ماء فيه ولا شجر ، ولا ظل ولا ثمَر ، فهي تشتكي ظلماها ، وتستقي على بُعْدٍ ماءَها ، فيجلب لها من نهرها العاصي وهو منها بنحو مسافة الميل(5ر1كم) فعليه طرّة بساتين تجتلي العين خضرتها وتستغرب نضرتها ، ومنبعه مغارة بسفح جبل (ينبع من نبع الهرمل في الأراضي اللبنانية ) فوقها بمرحلة بموضع يُقابل بعلبك أعادها الله وهي يمين الطريق إلى دمشق .
أهل هذه البلدة موصوفون بالنجدة والتمرّس بالعَدْو لمجاورتهم إياه وبُعدهم في ذلك عن أهل حلب . فما تُحْمَدُ عليه هذه البلدة هواءها الرطب ونسيمها الميمون تخفيفه وتجسيمه ، فكأن الهواء النجدي في الصحة شقيقة وقسيمة , وبقبلة هذه المدينة قلعة حصينة منيعة عاصية غير مُطيعة ، قد تميّزت وانحازت بموضعها عنها . وبشرْقها جبّانة ( مقبرة ) فيها قبر خالد بن الوليد ( رض ) سيف الله المسلول ومعه قبر ابنه عبد الرحمن وقبر عبيد الله بن عمر (رضهم ) .
وأسوار هذه المدينة غاية في العتاقة والوثاقة مرصوص بناؤها بالحجارة الصمّ السود ( أي الحجر الأسود البازلتي المشهورة به حمص ) ، وأبوابها أبواب حديد سامية الإشراف هائلة المنظر رائعة الأطلال والأناقة ، تكتنفها الأبراج المشيّدة الحصينة . وأما داخلها فما شئت بادية شعثاء خَلِقَة الأرجاء ملفّقة البناء ، لا إشراق فيها ولا رونق لأسواقها ، كاسدة لها بنفاقها . وما ظنّك ببلد حصن الأكراد (2) منه على أميال يسيرة وهو معقل العدو ( كانت أيام الفرنجة ) . فهو منه تتراءى ناره ، ويحرق إذ يطير شراره ، ويتعهّد إذا شاء كلّ يوم مناره . وسألنا أحد الأشياخ بهذه البلدة هل فيها مارستان ( مستشفى مجانين ) على رسم مدن هذه الجهات فقال : وقد أنكر ذلك ( حمص كلّها مارستان ) وكفاك شهادة أهلها فيها .... وفيها مدرسة واحدة ، وتجد في هذه البلدة عند إطلالك عليها من بُعد في بسيطها ومنظرها وهيئة موضوعها بعض الشبه بمدينة ( إشبيليا ) من بلاد الأندلس ، يقع للحين في نفسك خيالها وبهذا الاسم سمّيَت في القديم ... وهي العلة التي أوجبت نزول الأعراب أهل حمص فيه حسبما يُذكر . )) .
18/8/2011 المهندس جورج فارس رباحية
المفـــردات :
(1) ـ ابن جُبير هو محمد بن أحمد ( 1145 ـ 1217 ) م وُلِدَ في بلنسية بالأندلس وتوفّي في الإسكندرية . رحّالة عربي ، درس الفقه والحديث في شاطبة ،شرب الخمرة قسراً فحجّ تكفيراً . زار الإسكندرية والقاهرة ومكة والمدينة والكوفة والموصل وحلب وحمص ودمشق وعكا وصقلية . وصفَ رحلاته الثلاث في كتاب قَيّم يُعْرَف ( برحلة ابن جُبير ) .
(2) ـ قلعة الحصن : كانت تُسمّى حصن الأكراد ( حيث وضع أمير حمصي حامية كردية في الموقع عام 1031م ) ويُسميها السياح الأجانب قلعة الفرسان تقع على ربوة بركانية ارتفاعها عن سطح البحر 750 م وتبعد عن مدينة حمص 60 كم باتجاه الغرب. لا يوجد تاريخ واضح عن أوّل من بناها وربما يعود إلى عدة قرون قبل الميلاد احتلها الفرنجة عام 1099 ـ 1271 حيث استعادها الظاهر بيبرس. تحوّلت إلى مركز سياحي عام 1934 .