Anime Magic
  حب متأخر (زينب وسامي) رواية حب بوليسية الجزء  W6w20010
Anime Magic
  حب متأخر (زينب وسامي) رواية حب بوليسية الجزء  W6w20010
Anime Magic
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

Anime Magic


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  حب متأخر (زينب وسامي) رواية حب بوليسية الجزء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Magic Kaito
إدارة المنتدى
إدارة المنتدى
Magic Kaito


المشاركات : 1402

نقاط التميز : 7714
التقييم : 57
تاريخ التسجيل : 09/12/2011
العمر : 29
الوظيفة : student
المزاج : awesome
الأنمي المفضل : Dragonball
الأوسمة المتحصل عليها الإدارة

  حب متأخر (زينب وسامي) رواية حب بوليسية الجزء  Empty
مُساهمةموضوع: حب متأخر (زينب وسامي) رواية حب بوليسية الجزء      حب متأخر (زينب وسامي) رواية حب بوليسية الجزء  Empty8/1/2012, 2:31 pm

الجزء الأول







هل تخيلت أن يأتي عليك يوم يهدم جميع ما بنيته لسنوات، يضرب كل مخططاتك في الصفر ويحملك عنوة إلى ما تحت الصفر، يفتح عليك صفحة من صفحات الماضي في كتاب التاريخ الذي سجله القدر، صفحة نسيتها مطوية عندما أغلقت الكتاب، صفحة ظننت أنها انتهت، أنها اندثرت ولم يبق لها أثر في حياتك؟؟؟

حركة خاطئة من أحدهم جعلت الكتاب يسقط من فوق الطاولة إلى الأرض، ويفتح فورا على تلك الصفحة، وعادت أخطاؤك في الماضي إلى الحياة شاقة قبور أيام الطيش...

لم يحكم تراب تلك المقابر قبضته على أخطائك، عجز تعاقب الليل والنهار وحتى توالي الحر والبرد أن يثبتاه.

هاجمتك مباشرة، بدأت تسرق منك ساعاتك، فتحت عليك عاصفة من الآلام، هوت بسعادتك التي حصّلتها بصعوبة في مكان سحيق، وصرت أنت وحيدا في مكان مظلم لم يمكّنك من رؤية مستقبلك...

إنها تلك الأخطاء التي لم تحسب لها حسابا وأنت تحاول الظهور في أعين الناس أنك كبير، أنك بدون نقاط ضعف، أنك البطل الخارق...

زينب الفتاة الريفية الفاتنة رغم عرجتها تأسر قلوب ثلاث رجال، يقتل أحدهم وينتحر آخر، ويفوز بها الأخير، غير أنه حمل إليها قيود الألم بعد الأمل يوم أن ظهرت على حقيقتها عنده رغما عنها...

زينب الجميلة الفارة من الجريمة، وسامي محقق الشرطة الذي لا يحابي أحدا، في قصة حب بوليسية، في صراع طاعة القانون والحق وطاعة الميول والهوى.







الفصل الأول: جريمة غامضة



في الصباح الباكر قام حسن يمشط فرسه من أجل أن يقوم بجولته الأسبوعية...

هكذا يفعل في فصل الربيع منذ ثمان سنوات، منذ بلغ سن الرابعة عشر، يتجول بين الأشجار الكثيفة، ويمتع ناظريه بالأزهار المتفتحة...

نعم، فهذه المنطقة تكتسي الجمال بحد ذاته في فصل الربيع، لتهدي أهلها راحة البال وطمأنينة النفس.

حسن ابن عيسى، وحيد أبيه من الذكران، يعيش وسط عائلة فاحشة الثراء، لها من الأملاك الزراعية ما لا حصر له.

وعلي ابن عمه، شاب في عمره تقريبا، كان يعيش وسط عائلة فقيرة، وكان أبوه صالح شيخا ضريرا.

غربت شمس يوم الاثنين وحسن لم يعد إلى المنزل منذ أن خرج صباحا، لم يقلق عليه أحد إلا أمه التي بدا عليها الشرود، حاسة أن تأخره هذه المرة لن يمر على خير.

حان وقت العشاء، واجتمع أفراد العائلة حول المائدة الفاخرة، غير أن مقعد الرجل الثاني في العائلة كان شاغرا، وهناك سأل أبوه بلهجته الحادة، موجها بصره الثاقب نحو الأم:

(أرى مقعد حسن شاغرا، أين هو يا امرأة؟).

(لا أدري، إنه يخرج إلى الغابة هكذا كل أسبوع، لكنه لم يتأخر يوما كما تأخر اليوم).

فقالت إحدى أخواته:

(أظنه سيتعشى مع بعض أصدقائه في مكان ما).

فقالت الأخت الكبرى سعيدة:

(لقد سألت عنه عليا عند الغروب، لكنه نفى أن يكون رآه).

فقاطعها الأب بخشونة:

(أتحدثت مع علي، أيتها المجرمة، ألم أخبرك أن لا تحدثيه أبدا، سأرى أمر أخاك حسن وبعدها سأسوي مسألتك وهذا الأحمق علي).

ثم سكت برهة وصاح فيها:

(قومي من أمامي، اغربي عن وجهي... هيا جميعكم اغربوا عن وجهي، لا أريد رؤية أحد).

وقام هو بدوره بعد أن ضرب الطاولة بكلتا يديه، وانطلق إلى خارج المنزل قاصدا بعضا من أصدقاء حسن.

لا أحد رأى حسن في هذا اليوم من أترابه، ولا أحد يعلم عنه شيئا...

زاد قلق عيسى على ابنه فقرر الخروج إلى الغابة ليبحث عنه، وتوجه تلقاء منزل أخيه الضرير ونادى بأعلى صوته:

(علي.. علي.. هيا رافقني إلى الغابة).

كان علي يتقلب في فراشه حينما سمع صوت أبيه الضرير صالح:

(علي.. علي.. بني علي هذا صوت عمك، انظر ماذا يريد).

(تبا له، هل يحسب أنه ينادي خادما، ألا يعلم أن الوقت متأخر حتى يزعجنا بهذه الطريقة).

(اسمع يا بني دعك من هذا الكلام الآن... اسمع ها هو ينادي ثانية).

وزاد عيسى من قوة صوته:

(هيا يا علي، قم أيها الكسول، أجب عمك، هيا إلى الغابة لنبحث عن حسن).

قام علي من فراشه وسار إلى أن وقف قرب الباب، نظر إلى أبيه الضرير بأسف وإشفاق ثم فتح الباب:

(اسمع يا عمي، لست خادمك حتى توقظني بهذه الطريقة، عليك أن تتأدب مع أفراد عائلتي).

غضب عيسى وما أخفى حمرة وجهه إلا ظلام الليل وما منعه من شتم علي إلا حرصه على طلب مرافقته إلى الغابة:

(أرى أن أمك علمتك كيف تجيبني، حسنا يا ابن أخي سأكون مؤدبا، لقد علمتني أنت الآن بعد أن علمتني أمك في السابق، هيا لا تنزعج من كلامي أنا أمزح).

أخذ علي نفسا عميقا جدا، ثم طأطأ رأسه قائلا:

(ماذا تريد يا عم؟؟).

(ألم تسمع ندائي، أريدك أن ترافقني إلى الغابة لنبحث عن حسن).

أطلق علي ضحكة ساخرة ثم قال:

(حسن، ابنك المدلل، لا بد أنه مع شلته يتعاطون الممنوعات في مكان ما).

التفت عيسى في عنف نحو علي وأمسك قفاه بكفه اليمنى ضاغطا عليه بقوة:

(اسمع أيها الحقير، أن أمازحك لا يعني أنني في سنك، تأدب معي أيها النذل، اذهب إلى الإسطبل وأحضر فرسي الشقراء واختر واحدة لك وهيا بنا لنسرع).

بدأ علي يتأوه من شدة الألم محاولا إبعاد يد عمه:

(أرجوك يا عمي لم أقصد.. أرجوك.. تكاد تكسر عنقي).

فدفعه عيسى بقوة حتى وقع أرضا:

(أسرع إلى الإسطبل ولا تلتفت خلفك).

انطلق علي مسرعا وهو يتحسس عنقه...

لقد كان يسير بخطى سريعة، لكن الزمن أبى إلا أن يبطئ ويعود به إلى الوراء، عندما كان صبيا صغيرا لا يتجاوز الست سنوات، أين مات جده وحرم أبوه الضرير من ميراث العائلة، أين طردت أسرته من القصر الفخم إلى الكوخ الصغير، أين أحضر عيسى أوراقا وطلب من صالح أن يمضيها مستغلا ضرر عينيه محتجا بأنها أوراق صفقة تجارية من أجل جلب البقر الحلوب...

ما أتعسها من حياة أمضاها وهو يرى حسن يتمتع بكل شيء بينما هو محروم حتى من ضروريات الحياة.

أحضر علي الحصانين وانطلق مع عمه إلى الغابة يشقان ظلام الليل بمصابيح يدوية.

كانت أم حسن واقفة أمام الباب تنتظر عودة زوجها برفقة ابنها، لم تكن تنتظر أن يدخل الدار وحيدا، رغم أن قلبها يحدثها بالعكس.

(إنها الثانية صباحا يا علي، وأرى أننا ابتعدنا كثيرا عن القرية، لنعد إلى الديار ولنعاود البحث غدا صباحا).

أخفى الليل ابتسامة علي الساخرة والتي قال بعدها:

(هو ابنك، افعل ما تشاء، أنا مستعد للبقاء معك بحثا عنه حتى الصباح).

(لا.. لا.. سنعود إلى الدار).

أثناء طريق العودة قال عيسى مخاطبا علي:

(اسمع يا ابن أخي، الدنيا قسمة ونصيب، ولا يحق للصغار أن يطمعوا فيما عند الكبار، على كل واحد أن يفكر في مستواه ولا يتخطى ذلك أبدا، هذا قدر الله).

سكت علي برهة ثم قال:

(لم أفهم قصدك يا عم؟).

(إياك أن تحدث ابنتي الكبرى ثانية، أعرف أنك تخطط للزواج منها طمعا في ثروتي).

هذه المرة عجز علي عن الصمت، منعه كبرياءه المتأجج في صدره عن السكوت، فانفجر ضاحكا في غطرسة وجبروت مخاطبا عمه في احتقار:

(أنا أتزوج ابنتك؟؟ لقد سألتني عن حسن، فأجبتها أني لم أره، ربما تكون هي التي تريد الزواج مني، أما أنا فتأكد يا عيسى أنها ولو تعرضت لي في قارعة الطريق لما نظرت إليها حتى كعشيرة ليلة متعة).

اغتاظ عيسى أيما غيظ وصاح في وجه علي:

(عليك اللعنة، سأقتلك).

وضربه بطول ذراعه على صدره فأسقطه أرضا، ثم أمسك لجام الفرس والتفت إليه قائلا:

(ابق هنا أو عد سيرا على قدميك أيها الوقح).

وعاد عيسى إلى الديار تاركا وراءه ابن أخيه وحيدا في الغابة.

سمعت الأم صوت الحصانين فخرجت مسرعة، وما إن رأت عيسى على فرسه وفي يده لجام فرس دون فارس قالت:

(أهذه فرس حسن، أين ابني، أين هو؟).

نظر عيسى فيها لبرهة ثم استدار عائدا إلى الإسطبل.

فوقفت ابنته الكبرى سعيدة في طريقه قائلة:

(أرجوك أبي أخبرنا أين حسن).

نظر عيسى في ابنته نظرة حادة ثم دفعها برجله حتى أسقطها أرضا وأكمل طريقه وهو يقول:

(اسألي علي أيتها المتشردة).

بعد أن أعاد الحصانين إلى الإسطبل نادى عيسى زوجته:

(اسمعي لم نجد حسن، لقد بحثنا عنه في الغابة ولم نجد له أثرا، سأتصل بأصدقائي وأنطلق غدا صباحا لأبحث مجددا).

لم تمض إلا سويعات قليلة حتى أشرقت شمس الثلاثاء معلنة عن يوم جديد يحمل للناس ما كانوا يحتسبون وما لم يكونوا يحتسبون، قام عيسى باكرا واستدعى تسعة من أغنياء القرية، وكانوا أصدقاءه الأوفياء الذين كثيرا ما رافقوه في رحلات الصيد...

عشرة فرسان على أحصنة تسابق الريح، تشق السهولة والحزون، ترافقهم كلاب الصيد التي تتبع الأثر خطوة خطوة، كان بعضهم ينادي بأعلى صوته والبعض يطلق النار في الهواء آملا أن يسمعه حسن فيرشدهم إلى مكانه.

(علينا أن نفترق يا عيسى، هذا هو الحل الوحيد).

التفت عيسى بفرسه يمنة ثم يسرة ثم قال:

(لحظة واحدة، أنا أسمع نباح كلب).

فأدار صاحبه فرسه نحو اليمين بقوة وقال بعد أن طاف ببصره في نواحي الغابة:

(النباح يأتي من هناك، من ذلك المكان).

فقال رجل آخر من الفرقة بعد أن اقترب منهما:

(إنه المنحدر الكبير، لا أظن أن حسن وصل إلى هناك).

فقاطعه عيسى:

(لنقطع الشك باليقين، هيا بنا إلى هناك).

(هيا بنا، هيا بنا).

وانطلق الرجال بسرعة البرق نحو المكان وما إن اقتربوا حتى نزل بعضهم عن حصانه دون أن يوقفه واستمر الباقون إلى أن وقفوا على مشارف المنحدر.

(ها هو الكلب هناك، إنه يريدنا أن نرى شيئا).

تقدم أحدهم وأمسك الكلب وهدأه متمعنا في المكان:

(إنها آثار انزلاق، أظنها أربعة قوائم) والتفت نحو عيسى ونظر إليه كأنه يخبره أنه يمكن أن يكون حسن قد انزلق بحصانه إلى الأسفل.

فقطع عيسى نظرته تلك بنزوله عن فرسه وقوله:

(انتظر، على أحدنا أن ينزل، وسأكون أنا).

فناداه صاحب آخر يدعى سي لخضر:

(لا يا عيسى لن تنزل أنت، سأنزل أنا، فقط أريد حبلا).

نزل سي لخضر إلى الأسفل بصعوبة مستعينا بالحبل الذي أمسك عيسى طرفه الآخر.

(هل ترى شيئا يا سي لخضر؟؟).

(لا، ليس بعد... حسنا لقد وصلت، شجيرات التوت البري تغطي المكان، علي أن أدخل بين أشواكها).

فرد عيسى بقوله:

(افعل ما تراه مناسبا، واحذر فالمكان تملؤه الثعابين الكبيرة).

نزل الرجل بصعوبة بين أشواك التوت، وما إن غاب وسطها حتى سمع صوته:

(خذ أيها اللعين، لست أنت من يلدغني أو يقتلني).

فصاح الجميع من أعلى المنحدر:

(خيرا يا سي لخضر ماذا هناك؟؟).

(إنه ثعبان، لقد حطمت رأسه بعصاي، ما أصعب هذا المكان، المنحدر مستمر إلى أسفل، إنه يطل على واد كبير).

وقطع سي لخضر كلامه فجأة، واستمر في السكوت لدقيقتين رغم نداءات الرجال الذي كادت أن تجرح حناجرهم، وبعدها قال:

(اسحبوني إلى الأعلى، هيا بسرعة).

فقال عيسى غاضبا:

(لماذا سكتت كل هذه المدة، ألا ينقص هذا الجو المتوتر إلا مزيد من التكهرب).

(اسحب الحبل يا عيسى سأخبرك عندما أصل إلى فوق).

(اسمع يا سي لخضر، أخبرني وإلا رميت لك بحبل وابحث عمن يخرجك من هنا).

وهنا تقدم الرجل الذي كان يحمل البندقية من عيسى قائلا:

(ابتعد يا عيسى سأسحب الحبل).

ابتعد عيسى وسحب الرجل الحبل وخرج سي لخضر بعد جهد تكاد تنقطع أنفاسه:

(ما بك يا عيسى، هل أردت تركي هناك حقا؟).

جلس عيسى على الأرض وشد بيده على بعض الحشائش ثم قال:

(أخبرني أن ابني ميت ملقى في الأسفل أرجوك).

فرد سي لخضر بأسف:

(أرجوك يا عيسى إن الدنيا مليئة بالمفاجآت والموت حق على كل مخلوق).

قام عيسى من مكانه مسرعا، لكنه ما سار إلا خطوات حتى سقط جاثيا على ركبتيه والدموع تسيل من عينيه وبدأ في الصراخ:

(لقد علمت ذلك ما إن سكتت يا سي لخضر، لكنني منعت نفسي من تصديق الأمر، ابني الوحيد يا جماعة، الرجل الفحل في أسرتي يا أصحابي...).

بدأ الرجال يذكرون عيسى بقوة شخصيته وأنه لا يجوز له أن يصير ضعيفا إلى هذا الحد لمجرد موت ابنه، أما سي لخضر فقد ركب جواده، ثم قال:

(اسمع يا صاحبي عيسى ما حدث حدث، سأنطلق لأبلغ الشرطة، لا تلمسوا شيئا).

لم يخبر سي لخضر صاحبه عيسى بكل شيء عن جثة حسن، لقد فضل أن يؤجل ذلك إلى حين قدوم الشرطة.

بقي الفرسان يهدؤون من روع عيسى حتى حضرت الشرطة بعد ساعة...

(دعونا نبدأ معاينة المكان وتصويره في انتظار وصول المحقق سامي).

كان سامي محققا في قسم مكافحة الجريمة، لا يترك القضية حتى يصير البريء بريئا والمذنب مدانا، كان يجلس في مكتبه حينما رن الهاتف:

(السلام عليكم) رد سامي.

(وعليكم السلام... معك المحافظ عامر، هيا أيها البطال لدي عمل لك).

(إني أحب العمل من أجل تحقيق العدالة، وآسف لحدوث الجرائم).

(هذا هو قدر المحققين يا بني، انطلق إلى قرية أولاد الشيخ، هناك حادث يحتمل أن تكون خلفه جريمة).

وبعد عشر دقائق من وصول الشرطة وصل سامي الذي نزل من السيارة بهدوء ملقيا التحية:

(السلام عليكم، أعظم الله أجركم يا أهل الضحية، أعرف أن الجو جو حزن، لكن عليكم أن تعلموا أن قضاء الله لا يرده الحزن، غير أن التحقيق يجب أن يمضي، ونحن من سيثبت هذا أو ننفيه، لذا نستأذنكم من أجل بدء العمل).

نزل سامي ومرافقين له إلى الأسفل وعاينوا الجثة هناك...

إنها جريمة قتل، طلقتان ناريتان، إحداهما في رأس حسن، والثانية في رأس فرسه.

كان هناك ثقبان في رأس حسن، الأول في العرنين بين العينين أعلى الأنف، والثاني في أعلى مؤخرة الرأس وهذا الأخير أوسع من الأول، مما يدل على أنه مخرج الرصاصة.

أما رأس الحصان فقد حوى ثقبا واحدا، وبالتالي فإن الرصاصة مستقرة في مكان ما بداخله، وهذا سيسمح للمحققين بتحديد نوعية الطلقة ومسافة الإطلاق.

أخرجت الجثة بعد ذلك وأخذت للمشرحة وعوينت بدقة وسرعة لتدفن في ذلك اليوم قبل صلاة العصر، جو مهيب، الكل يذكر حسن الذي كان يمر بالسيارة ذات الدفع الرباعي مسرعا، الكل يتذكر الشاب الذي كان يعشق ركوب الخيل ويخرج كل أسبوع على فرسه، الكل يتذكر الشاب الغني الذي كان يتمتع بكل شيء...

(مات حسن)، (مكتوب)، (قدر الله)، (لله ما أعطى وله ما أخذ)، (حتى الأغنياء يموتون)، (حتى الشباب يموتون)، (الموت أعدل الخلق لا يحابي أحدا)... وغيرها من العبارات التي ظلت تتردد على أفواه أبناء قرية أولاد الشيخ في ذلك اليوم أمام هذا المصاب الجلل.

(ترى من قتل حسن؟)، (لدى أبيه أعداء كثر)، (أغلب شباب القرية يحسدونه)، (طباع أبيه حادة وهو سريع الغضب، يستطيع أن يفعل أي شيء)... وغيرها، وكانت هذه إشاراتهم واحتمالاتهم حول هذه الجريمة الغامضة.



يتبع .........................................................................................

01:52








مقدمة:





الجزء الأول، الثاني والثالث







هل تخيلت أن يأتي عليك يوم يهدم جميع ما بنيته لسنوات، يضرب كل مخططاتك في الصفر ويحملك عنوة إلى ما تحت الصفر، يفتح عليك صفحة من صفحات الماضي في كتاب التاريخ الذي سجله القدر، صفحة نسيتها مطوية عندما أغلقت الكتاب، صفحة ظننت أنها انتهت، أنها اندثرت ولم يبق لها أثر في حياتك؟؟؟

حركة خاطئة من أحدهم جعلت الكتاب يسقط من فوق الطاولة إلى الأرض، ويفتح فورا على تلك الصفحة، وعادت أخطاؤك في الماضي إلى الحياة شاقة قبور أيام الطيش...

لم يحكم تراب تلك المقابر قبضته على أخطائك، عجز تعاقب الليل والنهار وحتى توالي الحر والبرد أن يثبتاه.

هاجمتك مباشرة، بدأت تسرق منك ساعاتك، فتحت عليك عاصفة من الآلام، هوت بسعادتك التي حصّلتها بصعوبة في مكان سحيق، وصرت أنت وحيدا في مكان مظلم لم يمكّنك من رؤية مستقبلك...

إنها تلك الأخطاء التي لم تحسب لها حسابا وأنت تحاول الظهور في أعين الناس أنك كبير، أنك بدون نقاط ضعف، أنك البطل الخارق...

زينب الفتاة الريفية الفاتنة رغم عرجتها تأسر قلوب ثلاث رجال، يقتل أحدهم وينتحر آخر، ويفوز بها الأخير، غير أنه حمل إليها قيود الألم بعد الأمل يوم أن ظهرت على حقيقتها عنده رغما عنها...

زينب الجميلة الفارة من الجريمة، وسامي محقق الشرطة الذي لا يحابي أحدا، في قصة حب بوليسية، في صراع طاعة القانون والحق وطاعة الميول والهوى.







الفصل الأول: جريمة غامضة



في الصباح الباكر قام حسن يمشط فرسه من أجل أن يقوم بجولته الأسبوعية...

هكذا يفعل في فصل الربيع منذ ثمان سنوات، منذ بلغ سن الرابعة عشر، يتجول بين الأشجار الكثيفة، ويمتع ناظريه بالأزهار المتفتحة...

نعم، فهذه المنطقة تكتسي الجمال بحد ذاته في فصل الربيع، لتهدي أهلها راحة البال وطمأنينة النفس.

حسن ابن عيسى، وحيد أبيه من الذكران، يعيش وسط عائلة فاحشة الثراء، لها من الأملاك الزراعية ما لا حصر له.

وعلي ابن عمه، شاب في عمره تقريبا، كان يعيش وسط عائلة فقيرة، وكان أبوه صالح شيخا ضريرا.

غربت شمس يوم الاثنين وحسن لم يعد إلى المنزل منذ أن خرج صباحا، لم يقلق عليه أحد إلا أمه التي بدا عليها الشرود، حاسة أن تأخره هذه المرة لن يمر على خير.

حان وقت العشاء، واجتمع أفراد العائلة حول المائدة الفاخرة، غير أن مقعد الرجل الثاني في العائلة كان شاغرا، وهناك سأل أبوه بلهجته الحادة، موجها بصره الثاقب نحو الأم:

(أرى مقعد حسن شاغرا، أين هو يا امرأة؟).

(لا أدري، إنه يخرج إلى الغابة هكذا كل أسبوع، لكنه لم يتأخر يوما كما تأخر اليوم).

فقالت إحدى أخواته:

(أظنه سيتعشى مع بعض أصدقائه في مكان ما).

فقالت الأخت الكبرى سعيدة:

(لقد سألت عنه عليا عند الغروب، لكنه نفى أن يكون رآه).

فقاطعها الأب بخشونة:

(أتحدثت مع علي، أيتها المجرمة، ألم أخبرك أن لا تحدثيه أبدا، سأرى أمر أخاك حسن وبعدها سأسوي مسألتك وهذا الأحمق علي).

ثم سكت برهة وصاح فيها:

(قومي من أمامي، اغربي عن وجهي... هيا جميعكم اغربوا عن وجهي، لا أريد رؤية أحد).

وقام هو بدوره بعد أن ضرب الطاولة بكلتا يديه، وانطلق إلى خارج المنزل قاصدا بعضا من أصدقاء حسن.

لا أحد رأى حسن في هذا اليوم من أترابه، ولا أحد يعلم عنه شيئا...

زاد قلق عيسى على ابنه فقرر الخروج إلى الغابة ليبحث عنه، وتوجه تلقاء منزل أخيه الضرير ونادى بأعلى صوته:

(علي.. علي.. هيا رافقني إلى الغابة).

كان علي يتقلب في فراشه حينما سمع صوت أبيه الضرير صالح:

(علي.. علي.. بني علي هذا صوت عمك، انظر ماذا يريد).

(تبا له، هل يحسب أنه ينادي خادما، ألا يعلم أن الوقت متأخر حتى يزعجنا بهذه الطريقة).

(اسمع يا بني دعك من هذا الكلام الآن... اسمع ها هو ينادي ثانية).

وزاد عيسى من قوة صوته:

(هيا يا علي، قم أيها الكسول، أجب عمك، هيا إلى الغابة لنبحث عن حسن).

قام علي من فراشه وسار إلى أن وقف قرب الباب، نظر إلى أبيه الضرير بأسف وإشفاق ثم فتح الباب:

(اسمع يا عمي، لست خادمك حتى توقظني بهذه الطريقة، عليك أن تتأدب مع أفراد عائلتي).

غضب عيسى وما أخفى حمرة وجهه إلا ظلام الليل وما منعه من شتم علي إلا حرصه على طلب مرافقته إلى الغابة:

(أرى أن أمك علمتك كيف تجيبني، حسنا يا ابن أخي سأكون مؤدبا، لقد علمتني أنت الآن بعد أن علمتني أمك في السابق، هيا لا تنزعج من كلامي أنا أمزح).

أخذ علي نفسا عميقا جدا، ثم طأطأ رأسه قائلا:

(ماذا تريد يا عم؟؟).

(ألم تسمع ندائي، أريدك أن ترافقني إلى الغابة لنبحث عن حسن).

أطلق علي ضحكة ساخرة ثم قال:

(حسن، ابنك المدلل، لا بد أنه مع شلته يتعاطون الممنوعات في مكان ما).

التفت عيسى في عنف نحو علي وأمسك قفاه بكفه اليمنى ضاغطا عليه بقوة:

(اسمع أيها الحقير، أن أمازحك لا يعني أنني في سنك، تأدب معي أيها النذل، اذهب إلى الإسطبل وأحضر فرسي الشقراء واختر واحدة لك وهيا بنا لنسرع).

بدأ علي يتأوه من شدة الألم محاولا إبعاد يد عمه:

(أرجوك يا عمي لم أقصد.. أرجوك.. تكاد تكسر عنقي).

فدفعه عيسى بقوة حتى وقع أرضا:

(أسرع إلى الإسطبل ولا تلتفت خلفك).

انطلق علي مسرعا وهو يتحسس عنقه...

لقد كان يسير بخطى سريعة، لكن الزمن أبى إلا أن يبطئ ويعود به إلى الوراء، عندما كان صبيا صغيرا لا يتجاوز الست سنوات، أين مات جده وحرم أبوه الضرير من ميراث العائلة، أين طردت أسرته من القصر الفخم إلى الكوخ الصغير، أين أحضر عيسى أوراقا وطلب من صالح أن يمضيها مستغلا ضرر عينيه محتجا بأنها أوراق صفقة تجارية من أجل جلب البقر الحلوب...

ما أتعسها من حياة أمضاها وهو يرى حسن يتمتع بكل شيء بينما هو محروم حتى من ضروريات الحياة.

أحضر علي الحصانين وانطلق مع عمه إلى الغابة يشقان ظلام الليل بمصابيح يدوية.

كانت أم حسن واقفة أمام الباب تنتظر عودة زوجها برفقة ابنها، لم تكن تنتظر أن يدخل الدار وحيدا، رغم أن قلبها يحدثها بالعكس.

(إنها الثانية صباحا يا علي، وأرى أننا ابتعدنا كثيرا عن القرية، لنعد إلى الديار ولنعاود البحث غدا صباحا).

أخفى الليل ابتسامة علي الساخرة والتي قال بعدها:

(هو ابنك، افعل ما تشاء، أنا مستعد للبقاء معك بحثا عنه حتى الصباح).

(لا.. لا.. سنعود إلى الدار).

أثناء طريق العودة قال عيسى مخاطبا علي:

(اسمع يا ابن أخي، الدنيا قسمة ونصيب، ولا يحق للصغار أن يطمعوا فيما عند الكبار، على كل واحد أن يفكر في مستواه ولا يتخطى ذلك أبدا، هذا قدر الله).

سكت علي برهة ثم قال:

(لم أفهم قصدك يا عم؟).

(إياك أن تحدث ابنتي الكبرى ثانية، أعرف أنك تخطط للزواج منها طمعا في ثروتي).

هذه المرة عجز علي عن الصمت، منعه كبرياءه المتأجج في صدره عن السكوت، فانفجر ضاحكا في غطرسة وجبروت مخاطبا عمه في احتقار:

(أنا أتزوج ابنتك؟؟ لقد سألتني عن حسن، فأجبتها أني لم أره، ربما تكون هي التي تريد الزواج مني، أما أنا فتأكد يا عيسى أنها ولو تعرضت لي في قارعة الطريق لما نظرت إليها حتى كعشيرة ليلة متعة).

اغتاظ عيسى أيما غيظ وصاح في وجه علي:

(عليك اللعنة، سأقتلك).

وضربه بطول ذراعه على صدره فأسقطه أرضا، ثم أمسك لجام الفرس والتفت إليه قائلا:

(ابق هنا أو عد سيرا على قدميك أيها الوقح).

وعاد عيسى إلى الديار تاركا وراءه ابن أخيه وحيدا في الغابة.

سمعت الأم صوت الحصانين فخرجت مسرعة، وما إن رأت عيسى على فرسه وفي يده لجام فرس دون فارس قالت:

(أهذه فرس حسن، أين ابني، أين هو؟).

نظر عيسى فيها لبرهة ثم استدار عائدا إلى الإسطبل.

فوقفت ابنته الكبرى سعيدة في طريقه قائلة:

(أرجوك أبي أخبرنا أين حسن).

نظر عيسى في ابنته نظرة حادة ثم دفعها برجله حتى أسقطها أرضا وأكمل طريقه وهو يقول:

(اسألي علي أيتها المتشردة).

بعد أن أعاد الحصانين إلى الإسطبل نادى عيسى زوجته:

(اسمعي لم نجد حسن، لقد بحثنا عنه في الغابة ولم نجد له أثرا، سأتصل بأصدقائي وأنطلق غدا صباحا لأبحث مجددا).

لم تمض إلا سويعات قليلة حتى أشرقت شمس الثلاثاء معلنة عن يوم جديد يحمل للناس ما كانوا يحتسبون وما لم يكونوا يحتسبون، قام عيسى باكرا واستدعى تسعة من أغنياء القرية، وكانوا أصدقاءه الأوفياء الذين كثيرا ما رافقوه في رحلات الصيد...

عشرة فرسان على أحصنة تسابق الريح، تشق السهولة والحزون، ترافقهم كلاب الصيد التي تتبع الأثر خطوة خطوة، كان بعضهم ينادي بأعلى صوته والبعض يطلق النار في الهواء آملا أن يسمعه حسن فيرشدهم إلى مكانه.

(علينا أن نفترق يا عيسى، هذا هو الحل الوحيد).

التفت عيسى بفرسه يمنة ثم يسرة ثم قال:

(لحظة واحدة، أنا أسمع نباح كلب).

فأدار صاحبه فرسه نحو اليمين بقوة وقال بعد أن طاف ببصره في نواحي الغابة:

(النباح يأتي من هناك، من ذلك المكان).

فقال رجل آخر من الفرقة بعد أن اقترب منهما:

(إنه المنحدر الكبير، لا أظن أن حسن وصل إلى هناك).

فقاطعه عيسى:

(لنقطع الشك باليقين، هيا بنا إلى هناك).

(هيا بنا، هيا بنا).

وانطلق الرجال بسرعة البرق نحو المكان وما إن اقتربوا حتى نزل بعضهم عن حصانه دون أن يوقفه واستمر الباقون إلى أن وقفوا على مشارف المنحدر.

(ها هو الكلب هناك، إنه يريدنا أن نرى شيئا).

تقدم أحدهم وأمسك الكلب وهدأه متمعنا في المكان:

(إنها آثار انزلاق، أظنها أربعة قوائم) والتفت نحو عيسى ونظر إليه كأنه يخبره أنه يمكن أن يكون حسن قد انزلق بحصانه إلى الأسفل.

فقطع عيسى نظرته تلك بنزوله عن فرسه وقوله:

(انتظر، على أحدنا أن ينزل، وسأكون أنا).

فناداه صاحب آخر يدعى سي لخضر:

(لا يا عيسى لن تنزل أنت، سأنزل أنا، فقط أريد حبلا).

نزل سي لخضر إلى الأسفل بصعوبة مستعينا بالحبل الذي أمسك عيسى طرفه الآخر.

(هل ترى شيئا يا سي لخضر؟؟).

(لا، ليس بعد... حسنا لقد وصلت، شجيرات التوت البري تغطي المكان، علي أن أدخل بين أشواكها).

فرد عيسى بقوله:

(افعل ما تراه مناسبا، واحذر فالمكان تملؤه الثعابين الكبيرة).

نزل الرجل بصعوبة بين أشواك التوت، وما إن غاب وسطها حتى سمع صوته:

(خذ أيها اللعين، لست أنت من يلدغني أو يقتلني).

فصاح الجميع من أعلى المنحدر:

(خيرا يا سي لخضر ماذا هناك؟؟).

(إنه ثعبان، لقد حطمت رأسه بعصاي، ما أصعب هذا المكان، المنحدر مستمر إلى أسفل، إنه يطل على واد كبير).

وقطع سي لخضر كلامه فجأة، واستمر في السكوت لدقيقتين رغم نداءات الرجال الذي كادت أن تجرح حناجرهم، وبعدها قال:

(اسحبوني إلى الأعلى، هيا بسرعة).

فقال عيسى غاضبا:

(لماذا سكتت كل هذه المدة، ألا ينقص هذا الجو المتوتر إلا مزيد من التكهرب).

(اسحب الحبل يا عيسى سأخبرك عندما أصل إلى فوق).

(اسمع يا سي لخضر، أخبرني وإلا رميت لك بحبل وابحث عمن يخرجك من هنا).

وهنا تقدم الرجل الذي كان يحمل البندقية من عيسى قائلا:

(ابتعد يا عيسى سأسحب الحبل).

ابتعد عيسى وسحب الرجل الحبل وخرج سي لخضر بعد جهد تكاد تنقطع أنفاسه:

(ما بك يا عيسى، هل أردت تركي هناك حقا؟).

جلس عيسى على الأرض وشد بيده على بعض الحشائش ثم قال:

(أخبرني أن ابني ميت ملقى في الأسفل أرجوك).

فرد سي لخضر بأسف:

(أرجوك يا عيسى إن الدنيا مليئة بالمفاجآت والموت حق على كل مخلوق).

قام عيسى من مكانه مسرعا، لكنه ما سار إلا خطوات حتى سقط جاثيا على ركبتيه والدموع تسيل من عينيه وبدأ في الصراخ:

(لقد علمت ذلك ما إن سكتت يا سي لخضر، لكنني منعت نفسي من تصديق الأمر، ابني الوحيد يا جماعة، الرجل الفحل في أسرتي يا أصحابي...).

بدأ الرجال يذكرون عيسى بقوة شخصيته وأنه لا يجوز له أن يصير ضعيفا إلى هذا الحد لمجرد موت ابنه، أما سي لخضر فقد ركب جواده، ثم قال:

(اسمع يا صاحبي عيسى ما حدث حدث، سأنطلق لأبلغ الشرطة، لا تلمسوا شيئا).

لم يخبر سي لخضر صاحبه عيسى بكل شيء عن جثة حسن، لقد فضل أن يؤجل ذلك إلى حين قدوم الشرطة.

بقي الفرسان يهدؤون من روع عيسى حتى حضرت الشرطة بعد ساعة...

(دعونا نبدأ معاينة المكان وتصويره في انتظار وصول المحقق سامي).

كان سامي محققا في قسم مكافحة الجريمة، لا يترك القضية حتى يصير البريء بريئا والمذنب مدانا، كان يجلس في مكتبه حينما رن الهاتف:

(السلام عليكم) رد سامي.

(وعليكم السلام... معك المحافظ عامر، هيا أيها البطال لدي عمل لك).

(إني أحب العمل من أجل تحقيق العدالة، وآسف لحدوث الجرائم).

(هذا هو قدر المحققين يا بني، انطلق إلى قرية أولاد الشيخ، هناك حادث يحتمل أن تكون خلفه جريمة).

وبعد عشر دقائق من وصول الشرطة وصل سامي الذي نزل من السيارة بهدوء ملقيا التحية:

(السلام عليكم، أعظم الله أجركم يا أهل الضحية، أعرف أن الجو جو حزن، لكن عليكم أن تعلموا أن قضاء الله لا يرده الحزن، غير أن التحقيق يجب أن يمضي، ونحن من سيثبت هذا أو ننفيه، لذا نستأذنكم من أجل بدء العمل).

نزل سامي ومرافقين له إلى الأسفل وعاينوا الجثة هناك...

إنها جريمة قتل، طلقتان ناريتان، إحداهما في رأس حسن، والثانية في رأس فرسه.

كان هناك ثقبان في رأس حسن، الأول في العرنين بين العينين أعلى الأنف، والثاني في أعلى مؤخرة الرأس وهذا الأخير أوسع من الأول، مما يدل على أنه مخرج الرصاصة.

أما رأس الحصان فقد حوى ثقبا واحدا، وبالتالي فإن الرصاصة مستقرة في مكان ما بداخله، وهذا سيسمح للمحققين بتحديد نوعية الطلقة ومسافة الإطلاق.

أخرجت الجثة بعد ذلك وأخذت للمشرحة وعوينت بدقة وسرعة لتدفن في ذلك اليوم قبل صلاة العصر، جو مهيب، الكل يذكر حسن الذي كان يمر بالسيارة ذات الدفع الرباعي مسرعا، الكل يتذكر الشاب الذي كان يعشق ركوب الخيل ويخرج كل أسبوع على فرسه، الكل يتذكر الشاب الغني الذي كان يتمتع بكل شيء...

(مات حسن)، (مكتوب)، (قدر الله)، (لله ما أعطى وله ما أخذ)، (حتى الأغنياء يموتون)، (حتى الشباب يموتون)، (الموت أعدل الخلق لا يحابي أحدا)... وغيرها من العبارات التي ظلت تتردد على أفواه أبناء قرية أولاد الشيخ في ذلك اليوم أمام هذا المصاب الجلل.

(ترى من قتل حسن؟)، (لدى أبيه أعداء كثر)، (أغلب شباب القرية يحسدونه)، (طباع أبيه حادة وهو سريع الغضب، يستطيع أن يفعل أي شيء)... وغيرها، وكانت هذه إشاراتهم واحتمالاتهم حول هذه الجريمة الغامضة.



يتبع .........................................................................................

الجزء الثانـــــــــــــــــــــــي









الفصل الثاني: مسار التحقيق

أكدت المعاينة في المشرحة شكوك المحققين، لقد قتل حسن وحصانه بطلقتي قناصة.

استمر البحث والتحقيق لساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، ووصل رجال الشرطة إلى نتائج سمحت لهم برسم مسار هذه الجريمة.

كان حسن يخرج كل أسبوع إلى الغابة، ولا يفترض به أن يكون زار هذا المنحدر قبلا، لأنه لم يذكر ذلك عنه وسط أصحابه حسب إفادة والده...

ومنحدر خطير مثل هذا لا شك سيكون مفخرة لأي مغامر يصل إليه، فكيف بشاب مثل حسن يحب إظهار تفوقه أمام أصحابه...

لذا يفترض أن هناك من استدرجه إلى هذا المكان...

هكذا كان سامي يتحدث مع أحد رجال الشرطة، فقاطعه آخر:

(ليس بالضرورة يا سامي، كلامك غير مبني على دليل).

هز سامي رأسه وضم شفتيه ثم قال:

(أنت محق يا صاحبي، أنا فقط أريد أن أجمع كومة من الاحتمالات، وكنت سأكمل الاحتمال الآخر والذي يكمن في أن المجرم يعرف حسن، وأنه تبعه وترصد وترقب خروجه إلى الغابة، ولحسن حظ القاتل أن الضحية جاء إلى المنحدر، ما رأيك؟).

سكت الشرطي برهة وحك رأسه ثم قال:

(بصراحة أنا لا أومن بالحظ في الجرائم، لكن يظهر لي أن القاتل محظوظ هذه المرة).

أشار سامي بسبابته إلى الشرطي:

(أي الاحتمالين أقرب إلى العقل).

(كلاهما قريب، وكلاهما بعيد، لكن الاحتمال الأول أقرب).

(ما توصلنا إليه هو أن الرصاصتين أطلقتا من مكان مجهول على بعد أربعمائة متر تقريبا).

هز الشرطي رأسه ثم قال:

(نعم إنه استنتاج بسيط يشكل مفتاحا لحل هذه القضية إن شاء الله).

ابتسم سامي وقال:

(ويمكن أن يكون بوابة متاهة صنعها المجرم لنضيع فيها لا قدر الله، لقد تأخر الوقت، لنؤجل البحث إلى غد إن شاء الله).

أسئلة كثيرة قضت مضجع المحقق سامي تلك الليلة، ليس كل سؤال تطرحه النفس يطرح علنا...

(من أين أطلقت النار، أيمكن أن تكون أطلقت من الجهة الأخرى للوادي، هل يمكن أن يكون الخارجون عن القانون هم من قتله؟؟؟)

(رصاصة قناص محترف، لا شك أنه ألف القتل وتدرب عليه جيدا، إن أبناء القرية يبتعدون عن مرمى الاتهام شيئا فشيئا).

(أنا لا يهمني ابتعاد أبناء القرية أو اقترابهم من مرمى التهمة، ما يهمني هو إيجاد القاتل).

كان سامي شاردا يسأل نفسه ويجيب ويخطفه هاجس الاستسلام من داخله قائلا:

(أيها المحقق سامي القضية صعبة جدا، متاهة من الاحتمالات، أخاف أن تنتهي إلى اتهام مجهول).

ثم يلتفت في تحد قائلا:

(لن تنتهي كذلك، ولن يبقى المجهول في دائرة الظلام، سنخرجه إلى الضوء بإذن الله).

في صباح الأربعاء الباكر انطلق التحقيق من جديد، وسمح لهم ضوء النهار بتمعن الصور جيدا...

الوقت يمر سريعا ولا جديد لحد الآن ما عرفه المحققون لا يبعد عن ما عرفوه من قبل مقدار الأنملة.

عاد سامي إلى موقع الحادث آخذا معه الصور وتقارير الطبيب الشرعي...

وعندما وصل برفقة بعض المحققين إلى المكان سأله أحدهم:

(أي سؤال عاد بك إلى هنا؟).

(أريد أن أعرف الوضعية التي كان عليها حسن عندما استقبل الرصاصة).

(حسب تقرير الطبيب الشرعي فإن الرصاصة أطلقت من بعد حوالي أربع مائة متر، من مستوى منخفض).

فقاطعه سامي قائلا:

(كي تعرف مستوى إطلاق النار عليك أن تعرف أولا وضعية الضحية).

فقال الشرطي:

(القناص عادة يقتل غيلة وخداعا، ويغتنم هدوء الضحية لذا يفترض للضحية أن يكون منتصبا على فرسه في وضع طبيعي، أطلق القناص الرصاصة التي دخلت في عرنين الضحية بين عينيه لتستقر في أعلى خلف الرأس، بزاوية 18°، وبعد حساب تباطؤ الرصاصة في رأس الحصان علم أنها من بعد 400م وهذا يعني أن مستوى إطلاق النار منخفض بحوالي 100 متر...).

ابتسم سامي ساخرا ثم قال:

(لا يوجد منخفض كهذا على هذا البعد إلا في الناحية الأخرى من الوادي).

(نعم سيد سامي، أرجح أن الرصاصتين أطلقتا من الناحية الأخرى).

فسكت سامي لبرهة ثم قال:

(وهذا ما يقرب مسؤولية الخارجين عن القانون عن ارتكاب هذه الجريمة).

(أرجح ذلك أيضا).

فأخذ سامي نفسا عميقا وقال:

(إذا كان ما رجحته صحيحا، فعلينا أن نعثر على الطلقة التي اخترقت رأس الضحية حسن في هذه الجهة من الوادي، أليس كذلك؟).

هز الشرطي رأسه ثم قال:

(أنت محق، ولكننا لم نعثر عليها رغم طول بحثنا).

فواصل سامي كلامه بعد أن سكت الشرطي:

(هل تعتقد أنها سارت لمسافة أربعمائة متر أخرى بعد أن اخترقت رأس حسن).

(لا يعقل ذلك، وإلا لكانت الرصاصة الثانية اخترقت رأس الحصان).

(اسمع يا صديقي، لقد بحثنا يوم أمس لبعد ما يقارب المائة والخمسين مترا عن هذا المنحدر، بزاوية مائة وعشرين درجة، ولم نعثر على شيء، أظن أن علينا البحث بنفس الزاوية لمسافة خمسمائة متر..).

فقاطعه الشرطي قائلا:

(هذا سيأخذ منا أسبوعين على الأقل، سنكون مثل الذي يبحث عن إبرة في كومة قش).

فابتسم سامي ساخرا ثم قال:

(إذا واصلنا البحث لهذه المسافة تأكد أننا سنجد آثارا أخرى للجريمة لم نكن نبحث عنها).

(ماذا تقصد يا سامي؟).

(أظن أن النار أطلقت من هذه الناحية).

فقاطعه الشرطي ثانية:

(وماذا عن المستوى المنخفض بمائة متر).

(ألم أقل لك قبلا أن عليك معرفة وضعية الضحية قبل أن تعرف مستوى الإطلاق).

ضرب الشرطي يديه ببعض ثم قال:

(أنت أقرب إلى الحق أيها المحقق).

(اسمع، أظن أن حسنا لم يكن في وضع طبيعي عندما أطلقت النار، أظن أن القاتل أثاره بطريقة ما، جلبت انتباهه فرفع رأسه، أو أثارت الفرس فحرنت رافعة قوائمها الأمامية مما يجعل حسن في مرمى يسمح للقناص أن يكون في مستوى منخفض).

سكت سامي لبرهة ثم ضرب قبضته اليمنى على راحته اليسرى:

(لحظة واحدة سأتفحص صور انزلاق الفرس ثانية).

وبعد أن تفحصها، وجد ما كان يبحث عنه:

(أما الحصان فقد انزلق إدبارا في المنحدر، انظروا هذا أثر قوائمه الخلفية، إنها متباعدة، ولو كانت الأمامية لكانت متقاربة، أرسلوها إلى المختبر للتأكد من ذلك، وأشيروا على الخبراء بأن يحضروا حصانا وليجربوا، أنا شبه متأكد من هذا).

أخذت الصور للمختبر ثانية، وفي انتظار النتائج انطلق سامي ومعه عشرات المحققين للبحث في مساحة هكتارين، ببعد 380م و450م عن الحادثة، وقوس قدره عشرون درجة 20° عن المخبئ القناص.

وبعد جهد جهيد وبعد الزوال بساعة تقريبا عثر المحققون على المكان المزعوم، وفي ذلك الوقت وصل التأكيد من المختبر مدعما بنتائج مذهلة:

كان الضحية يقف متوجها إلى الوادي، أثاره القناص بشيء مفزع ما، استدار كي يرى الأمر، لكن الحصان المفزوع غاصت إحدى قوائمه الخلفية في حافة المنحدر، مما جعل الضحية يفقد توازنه عليه، وهناك أطلقت النار، ويعتقد أن الطلقة الأولى كانت من نصيب الحصان، وذلك ليضمن القاتل سقوط الاثنين في قاع الوادي.

نتيجة عادية بالنسبة للمحقق سامي الذي كان يعتقدها قبلا، أما الغير عادي فهو طلقتان بسرعة وإتقان من قناصة واحدة على بعد 419 متر، وهذا ما يزيد في افتراض احترافية القاتل.



أما مكان إطلاق النار فقد كان فيه آثار يفترض من خلالها أن القناص تمدد فيه عند إطلاق النار.

عوين ذلك المكان جيدا، حيث عثر على بقايا طلقتين، وأخذ المحققون معهم تلك الأمسية عدة عينات إلى المختبر من أجل دراستها.

لا شيء جديد، لم يعثر الخبراء على آثار من جسم القاتل في تلك العينات، لكنهم عرفوا أن طوله يتراوح ما بين مائة وسبعين ومائة وثمانين سنتمتر، استطاعوا أن يميزوا تباعد منكبيه، وعرض خصره ما بين 40 و45 سنتمتر، وهذا يدل على أنه رجل، وزادت القضية تعقيدا.

أمسك سامي تقرير المختبر الجديد وقرأه بتمعن ثم قال:

(عرض خاصرة القاتل وطوله وتباعد منكبيه يدل على أنه رجل.

انبطاح القاتل، استعماله لقناصة متطورة، يدل على أنه انتظر الضحية وترصده، وهذا يحتمل أنه يعرفه ويعرف عادته بالخروج يوم الاثنين.

اطلاقه رصاصتين بسرعة الأولى على رأس الحصان والثانية على رأس الضحية دليل على أنه أراد أن يختفي الاثنان أكبر مدة ممكنة، وهذا بدوره يحتمل أن أهل الضحية يعرفون شخص القاتل.

عدم انتباه القاتل إلى بقايا الطلقتين يحتمل أن تدل على أنه قام مذعورا بمجرد أن رآه يسقط إلى المنحدر وهذا بدوره يحتمل أن يدل على أن القاتل لم يمارس القتل من قبل؟؟؟

براعة القاتل في الإطلاق، دقته في إصابة الهدف تدلان على أنه محترف في القتل؟؟؟ أو ربما في إصابة الأهداف؟؟

ما الذي أثار القاتل؟ ما الذي حمله على ترك خرطوشتي الطلقتين؟

هناك احتمال أن القاتل تدرب جيدا على إصابة الأهداف الثابتة والمتحركة، ولكنه ليس مجرما محترفا لأنه نسي بقايا الطلقتين بمجرد أن رأى وجها يعرفه يصير ضحية له.

وهذا الاحتمال يجعل القاتل واحدا من أبناء القرية لا محالة، رجل له دافع قوي لقتل حسن).

فقال رجل من الشرطة:

(كلامك يقبله العقل، لكنه يفتقر إلى الدليل).

فقام سامي من مكانه منفعلا ثم قال:

(هل نبقى هكذا بين الأخذ والرد، علينا التحرك، لن تكون قضية ضد مجهول، سنبحث عن المشتبه بهم في القرية، علينا العمل، علينا التحرك، تحركوا وسترزقون بالدليل، سنعود اليوم إلى القرية لنبحث عن أعداء حسن).



الفصل الثالث: أعداء العائلة

وصل رجال الشرطة إلى القرية وما إن نزل المحقق سامي من السيارة حتى فاجأه عيسى الذي كان يمتطي فرسه الشقراء:

(اسمع أيها المحقق، أرى أنكم عجزتم في تحديد هوية قاتل ابني رغم مرور يومين من اكتشاف جثته، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم جديتكم في العمل).

طأطأ سامي رأسه وسكت قليلا ثم قال:

(اسمع أنا أقدر مشاعرك اتجاه ابنك، لكن غضبك هذا وحدة طباعك يعيقان عمل المحققين، لذا أنصحك أن تعود إلى منزلك وتتركنا نركز ونعمل في سلام).

أمسك عيسى لجام فرسه في كبرياء ثم قال:

(أعود إلى منزلي وأترككم تعملون بسلام؟؟ لا تنسى أنك تحقق في جريمة اغتيال ابني).

قام سامي من مكانه ثم قال بعد أن أحكم قبضة يده:

(اسمع يا عم، أنا أعمل عند الدولة من أجل تحقيق العدالة التي تحقق الأمن للمواطنين ولست أعمل عندك، ولست أعمل عند أحد ولا ضد أحد، أعمل مخلصا في عملي أبذل جهدي...).

فقاطعه عيسى بعنجهية:

(تعمل من أجل الراتب وبعض المصاريف الأخرى التي تأتي من هنا أو هنا).

هز سامي رأسه يمنة ويسرة ثم قال:

(يهديك الله، لا تدع الغضب يهوي بك في مكان سحيق، لو كنت أعمل من أجل الراتب لقدمت استقالتي بمجرد أن يهينني رجل مثلك، كما أنني لا أعمل من أجل الثأر من القاتل، بل لتحقيق العدالة...).

ثم استدرك سامي كلامه بحدة:

(والآن اغرب عن وجهي، ابتعد باسم القانون وإلا سأوجه إليك تهمة عرقلة عمل المحققين).

(حسنا تبا لك، سأنصرف وتأكد أنني سأسعى لطردك إن فشلت في إيجاد قاتل ابني) وولى عيسى مدبرا.

(افعل ما تشاء وما تستطيع).

نظر سامي إلى رفاقه وكأنه يخبرهم دون دليل أن عيسى هو سبب مقتل ابنه، فأخطاء كهذه بحدة طباعه ترشحه ليكون له أعداء كثر.

بدأت الشرطة في استجواب جيران وأصدقاء حسن، واتخذوا من مدرسة القرية مركزا لهم، وبعد مدة:

(إنه عيسى أبو الضحية) هذا ما أعلنه الشرطي الواقف على باب القسم المخصص للاستجواب.

(أدخله يا صاح). وهكذا رد سامي.

دخل عيسى رافعا رأسه وعلامات الكبر بادية في مشيته:

(ماذا تريد أيها المحقق الكسول؟).

فرد سامي بكل برودة:

(أغلق فمك وإلا حطمته...).

لقد بدا سامي جادا هذه المرة، وذلك ما أحس به عيسى فجلس على الكرسي بعد أن قال:

(حسنا، لا تؤاخذني أنا جد متوتر).

(سمعت من بعضهم أن لك أعداء كثر في هذه القرية الصغيرة، خاصة الفقراء منهم).

حك عيسى رأسه وتنحنح ثم قال:

(طبعا لأنهم يحسدونني، فثروتي الطائلة...)

فقاطعه المحقق سامي:

(وأخوك صالح الضرير؟؟).

(أخي هو أخي، أنا أحسن إليه كثيرا، لا أظن أنه يحسدني).

سكت سامي برهة ختمها بتنهد طويل ثم قال:

(من أين لك بهذه الثروة يا سيد عيسى؟؟).

وهنا قام عيسى من مكانه غاضبا:

(هل تحقق في جريمة القتل أم في أمر آخر).

ضم سامي شفتيه وأغمض عينه برهة ثم قال:

(أنا آسف يا عيسى لا أدري كيف خرجت عن الموضوع، يمكنك الانصراف).

واستمر الاستجواب...

(إنها زينب) ودخلت زينب واستجوبت وظهر أن الفتاة الريفية بعيدة كل البعد عن هذا الموضوع.

(إنه علي ابن عم الضحية).

(أدخله أيها الشرطي).

دخل علي مطأطئا رأسه فأشار إليه سامي أن اجلس.

(كيف حالك يا علي؟).

(بخير والحمد لله أيها المحقق).

قام سامي من مكانه وسار إلى أن وقف خلف علي عند رأسه ثم قال بعد أن وضع يده على كتفه:

(هل أنت حزين لموت ابن عمك؟).

ابتسم علي ابتسامة ساخرة ثم قال:

(إن الموت حزن وعبرة سيدي المحقق).

(اشرح فأنا ثقيل الفهم) رد سامي بسخرية أيضا.

(هناك بعض المغرورين الذي لا يقصم ظهورهم إلا الموت، فرغم أن فيه حزنا وخسارة إلا أنه أنفع عبرة لهؤلاء).

هز سامي سبابته قائلا:

(هل عمك واحد منهم؟).

تنهد علي ثم قال:

(أنت تعلم ذلك أيها المحقق، لا شك أن المستجوبين أخبروك بما فعل عمي في حق أبي الضرير).

عاد سامي وجلس في مكانه ثم قال:

(شيء من هذا القبيل، لكن أود أن أسمع ذلك منك).

مرر علي يده على جبينه ومسح عينيه آخذا نفسا عميقا ثم قال:

(كان جدي رجلا غنيا، وعندما مات ترك خلفه ثروة طائلة استحوذ عليها عمي جميعا بأنانيته، لقد استغل ضرر أبي واستولى على كل شيء.

أخرجنا من القصر بحجة إعادة ترميمه، ورمينا في كوخ صغير، ولم يدافع عنا أحد في ذلك اليوم، حتى أمي التي لم تجد إلا لسانها سرعان ما سكتت بعد رأت أن تعبها يذهب سدى.

واستمر عمي عيسى في إهانتنا ليومنا هذا، يعطينا جزء من الآلاف من خراج الأرض ويمن علينا ويعاملنا كخدمه بحجة أنه يعولنا ويحسن إلينا).

أمسك المحقق بحنان على يد علي التي بدت ترتجف ثم قال:

(الدنيا دار ابتلاء يا أخي، لكنها سرعان ما تنتهي ويغادر أهلها ولا يأخذ أحد منهم إلا ما عمل).

بدأ علي بالبكاء ثم قال:

(لكنهم ظلمونا كثيرا، لقد حطموا كل أحلامنا).

وهنا نزع سامي يده من يد علي وقال:

(لا تخف إن الله ينصر المظلوم ويخذل الظالم في الدنيا أو في الآخرة، المهم أن لا يتخطى المظلوم الحدود، أو يعميه طلب الثأر فيرتكب ما يفسد عليه حياته وآخرته).

مسح علي دموعه ثم قال:

(نحن صابرون يا سيدي المحقق رغم كل شيء، رجاؤنا في الله كبير، الله سيأخذ بأيدينا ويعيد لنا حقوقنا).

نظر سامي نظرة غريبة في علي كأنه أجابه بما لم يكن ينتظر ثم قال:

(ألا تعرف شيئا عن مقتل ابن عمك حسن يا علي؟).

ابتسم علي في سخرية ثم قال:

(يرى كثير من الناس أن لدي سببا قويا لقتل أي فرد من عائلة عمي، وإني لا أستبعد أن تكون تشتبه بي أيها المحقق).

وسكت برهة ثم أكمل كلامه:

(لا أعرف شيئا عن مقتل حسن سيدي المحقق، ويمكنك أن تسأل عمي عيسى لأني كنت أول من هب إلى المساعدة في البحث).

(يمكنك الانصراف يا علي، الصبر مفتاح الفرج يا أخي تذكر جيدا).

التفت علي لدى الباب والابتسامة على وجهه قائلا:

(شكرا أيها المحقق سامي، لقد أفرغت شيئا من هموم قلبي بحديثي معك).

واستمر الاستجواب إلى يوم الجمعة ولكن دون جدوى، ما عرفه سامي هو أن أكبر عدو لعيسى وعائلته هو أخوه صالح وعائلته.

وبعد أداء صلاة الجمعة عاد سامي وحيدا إلى القرية وقصد سي لخضر في منزله وسأله عن علي:

(أخبرني يا سي لخضر ما تعرف عن علي بن صالح الضرير؟).

ضحك سي لخضر حتى ظهرت نواجده ثم قال:

(لا تقل أيها المحقق أنك تشتبه به.. ها.. ها..).

(لماذا هذا الضحك يا سي لخضر، ألا يملك علي دافعا قويا لقتل حسن؟).

(نعم يملك الدافع لكنه لا يملك الشجاعة وقد خانته سواعده منذ نشأته، إنه لا يصلح لشيء).

سكت سامي لبرهة ثم قال:

(ما رأيك في عيسى أبي حسن؟).

حك عيسى مقدم رقبته ثم قال:

(عيسى رجل ذكي بأتم معنى الكلمة، لكنه حاد الطباع يستطيع أن يقتل ابنه في لحظة غضب، غير أنه سيسلم نفسه بعد ذلك إلى الشرطة بكل فخر ولا يختبئ كما يفعل القاتل عادة).

(أنا أعرف هذا يا سي لخضر، ولكني أقصد ثروته؟).

رفع سي لخضر يمناه وهز سبابته قائلا:

(عيسى رجل نظيف، هو أصل هذه الثروة، هو من استثمر أموال العائلة قبل أن يموت أبوه ولم يكن لأخيه أي دور).

وبعد تجاذب لأطراف الحديث غادر المحقق منزل سي لخضر شاكرا له رحابة صدره، هذا الأخير الذي ضحك في عزة ثم قال مودعا:

(أنتم المحققون عفاريت، تشتبهون بأي أحد، أعرف أنك من خلال حديثنا قد تأكدت من براءتي أو زاد عندك احتمال تورطي بهذه الجريمة، إلى اللقاء أيها المحقق الشاب).

انطلق سامي وقصد منزل عيسى فرحب به هذا الأخير، بل بدا عليه الهدوء على غير العادة، لكن سامي اكتفى بالوقوف خارجا:

(أرجوك يا عم لا داعي للإحراج فقط هو سؤال واحد).

فقال عيسى ساخرا:

(لعلك غاضب من حديثي يوم أمس لقد كانت..).

فقاطعه سامي بقوله:

(لا لست غاضبا، فقط أريد أن أزور أشخاصا آخرين وأخشى من فوات الوقت).

(حسنا تفضل، اطرح سؤالك).

(هل تعتقد أن عليا ابن أخيك يستطيع قتل ابنك).

ضحك عيسى ضحكة مطولة اهتزت معها كتفاه، ليختمها بغضبة شديدة ارتجف معها وجهه:

(أيها الأحمق، من أعطاك هذا المنصب، أنت لا تصلح للتحقيق أبدا، إن ابني أكبر من أن يقتله ذلك الشقي، إن عليا لا يستطيع إلا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://anime-magic.ahlamontada.com
 
حب متأخر (زينب وسامي) رواية حب بوليسية الجزء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المجموعة الكلاسيكية للكارتون الشهير توم أند جيري-الجزء الاول-الجزء التاني-الجزء الثالث-الجزء الرابع على MEDIAFIRE
» دراغون بول الجزء الاخير جت GT
» موسوعة حضارة العالم الجزء 2
»  موسوعة حضارة العالم الجزء 1
» موسوعة حضارة العالم الجزء 4

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
Anime Magic :: الأقسام االأدبية والأسلامية :: الروايات والقصص القصيرة-
انتقل الى: